عندما صدَرَت الصحف الكويتية بعد انتهاء الحرب عام 1991، كان هناك مناخ من الحذر تحذوه رقابة رسمية آنذاك، ورقابة داخلية من الصحف نفسها، ورقابة شخصية يمارسها من يكتب، سواء كان مقالاً أو تحقيقاً.

حاولت الصحافة حينها أن تتأقلم مع وضع استثنائي فرضته الظروف السائدة وقتها. اليوم تمر الكويت بظرف استثنائي في مسيرتها الديموقراطية. فَرَضَته ظروف أساء فيها البعض في المجلس استخدام أدواته، مما جعل التعاون بين السلطتين التنفيذية والتشريعية شبه مستحيل، بالإضافة إلى تراكمات سياسية مختلفة دفعت إلى حل مجلس الأمة ووقْف العمل ببعض مواد الدستور لمدة لا تزيد على 4 سنوات.

والتعليق هنا، لا شك، مختلف عما حدث في عامي 1976 و1986، من حيث إن هناك سقفاً زمنياً الى حين معالجة الطريق المسدود، الذي وصلت اليه الأوضاع في الكويت. تعليق المجلس وبعض مواد الدستور جاء كحلّ استثنائي، لكنه لا يعني تعليق المسيرة الديموقراطية، فهذه عملية مستمرة ومُتَجَذّرة في الوعي والتاريخ الكويتي، وإنما هي محطة لتنقيح المُمَارَسَة، وليس النهج بحد ذاته، فالذي أدى الى الوضع الراهن لا علاقة له بيقين الجميع، سلطة ومسؤولين وشعباً، حول أهمية الديموقراطية وما تُشكّله من حماية للحقوق وترسيخ للواجبات لدى كل أفراد المجتمع، وبغض النظر عن مراتبهم أو مسؤولياتهم أو مراكزهم، ولا بأهمية الدستور كوثيقة تاريخية مُستَحقّة تحفظ للجميع حقه.

هناك حتماً جوانب إيجابية في كل ظرف استثنائي عصيب وصعب في الحياة بشكل عام، وليست الحياة السياسية وحدها، فالمراحل الحرجة غالبًا ما تُشكّل مَفرَزة قد تسقط من ثقوبها أحيانًا بعض الشوائب، من كُتّاب ومتنفذين وسياسيين وإعلاميين وعامّة وغيرهم، بعضهم افتعل ساحة حرب يطعن من خلالها خصومه بشكل شخصي بحت، لا علاقة له بإصلاح نهج، ولا بتقويم مسيرة، بل إن بعض الكُتّاب من «المثقفين» استرسلوا في نقد، يخلو من أدنى درجات المهنية والموضوعية، كل ما عَبَرَت به الكويت من إنجازات، وما حقّقته من بناء عبر مسيرة ناضجة من المُمارَسَة الديموقراطية السليمة، حتى ان البعض تناول حل المجلس، كما لو كان عقوبة، وليس مرحلة استدراك ومراجعة، فأسرفوا في طعن المسيرة الديموقراطية، وتحميل الدستور والحريات كل المشاكل والأزمات التي عَبَرَت بها الكويت، وبشكل أخرجهم من أدنى مقومات المسؤولية المهنية. السلطتان التشريعية والتنفيذية تتحملان مسؤولية الأزمات السياسية، التي عَبَرَت بها الكويت في الخمسة عشر عامًا الماضية، والبعض فيها ساهم، بشكل مباشر أو غير مباشر، في تأجيج التداعيات السياسية التي أرهقت الدولة بمؤسساتها وأفرادها.

فمجلس الأمة يتحمّل مسؤوليته في الممارسات الخاطئة من بعض النواب، مُمَثَّلَة باستجوابات انتقامية وبعيدة عن إطار التنافس السياسي الناضج والسليم، ومقترحات مالية استنزافية للدولة ومرافقها، ومطالبات محصورة في مصالح فئوية أو قبلية أو طائفية، وبشكل جعل التواصل والتعاون بين السلطتين التشريعية والتنفيذية شبه مستحيل، بحيث تم قطع الطريق هنا على بعض المجاميع الشبابية من النواب الوطنيين، الذين حملوا برامج وطنية واعية وعملية. الحكومة هي الأخرى تتحمل جزءاً كبيراً من المسؤولية، بعد ان أخل بعض وزرائها بقَسَمهم، ولم يراعوا قِيَم العمل، ولا عدالة التوظيف، ولا محاصرة التسيّب والفساد، الذي وصل الى درجة تسريب الاختبارات، وتكدّس العمالة المُخالِفة، وشراء الذمم عبر المناقصات والمشاريع، وغيرها الكثير من تداعيات الأداء الحكومي السيئ في بعض وزارات الدولة. أما المواطن، الذي هو الخاسر الأكبر في حلقات الوصل هنا، فعليه مسؤولية مضاعفة كذلك، فهو الذي أوصل النائب الفاسد الى المجلس، وهو الذي يشارك في عمليات الفساد بتَقبّله نتاجها إن جاء في مصلحته.

المواطن هو البوصلة التي تستقيم بفعلها كل الأمور، فالمواطن الصالح هو فقط من يستطيع أن يبني وطنًا صالحًا. الكويت اليوم تعبر مرحلة حرجة، يتعيّن على الجميع، وبلا استثناء، العمل على الخروج منها بسلام. وذلك بإصلاح كل الثغرات والسلبيات التي شابت منظومتها السياسية، والانتخابية، والحكومية، والنيابية، بمثل هذا الإصلاح فقط نستطيع أن نحلم بكويت جديدة حقاً.