لا يمر وقت طويل إلا وتطفو على سطح إحدى وسائل الإعلام أو منصات التواصل قضية محزنة لضحية جديدة نتيجة ممارسة طبية خاطئة خارج المملكة، ونعني تحديداً بعض الدول العربية والآسيوية. الأخطاء الطبية موجودة في كل دول العالم وحتى في أعرق المرافق الطبية، ولكن لها نسبة محدودة ومعروفة في إطار الممارسة الطبية، ونطاق ضيق، بحيث لا تكون شائعة أو تصل حد الظاهرة. كما أن لها قوانين صارمة وعقوبات شديدة تصل إلى درجة الحرمان النهائي من ممارسة المهنة بالإضافة إلى التعويضات الباهظة.

لقد زادت نسبة ضحايا الممارسات الطبية الخاطئة مع إعلانات السياحة العلاجية في بعض الدول التي تستهدف مواطنينا وربما دول الخليج بشكل عام، وهي إعلانات غير منطقية، ومضللة بكل تأكيد عندما يقرأها أي شخص لديه أدنى علاقة بمجال الصحة، لكن العامة من الناس لا يفكرون سوى بالتكلفة المنخفضة جداً للإجراء الطبي، دون التفكير في الجوانب الأخرى الأهم، ومنها كفاءة المرفق الصحي وكوادره، وتوفره على الأجهزة الحديثة، وتقييمه من قبل المرجعيات الصحية المعتمدة، وليس من قبل مشاهير الإعلانات في السوشيال ميديا الذين ساهم بعضهم بإعلاناتهم المضللة في الإيقاع بكثير من الضحايا.

ومن الغريب جداً أن يسافر مواطن لإجراء عملية من العمليات التي تُجرى في المملكة بأفضل المعايير العالمية، في مرفق صحي خارجي يفتقر إلى الإمكانات والحوكمة والقوانين والتشريعات الطبية التي تضبط الممارسة، وتحمي المريض، إذ إنه من غير المعقول أبداً أن تحصل على نفس جودة الخدمة الطبية هنا في أي مكان آخر بتكلفة متدنية جداً لا تنطبق عليها معايير ومعادلات التكلفة المادية للخدمة الطبية في أي مكان في العالم، مهما كانت رخيصة الثمن. والأسوأ عندما يذهب المريض إلى دولة يتاح فيها لأي طبيب أن يختار ما يشاء من الألقاب والدرجات والتصنيفات التي لا يحملها، ويضعها على لوحات إعلانية بارزة أينما يشاء دون خشية المساءلة، هذا وحده مؤشر مهم على وجود خلل كبير في مراقبة وضبط قطاع الصحة، من شأنه أن يجعل الإنسان يعيد التفكير في طلب العلاج هناك.

ومهما كانت الأسعار منافسة إلا أن الطبيب المؤهل في تخصصه وفي أي مكان في العالم، الذي يلتزم بمعايير وأخلاقيات المهنة، يحتاج بيئة عمل وتجهيزات وكوادر مساعدة مؤهلة، قبل وأثناء وبعد الإجراء الطبي، وما عدا ذلك فهو ضرب من العبث والاستهتار بصحة الناس، بل بحياتهم. هناك أطباء جيدون ومرافق طبية جيدة في كل مكان، ابحثوا واسألوا عنها قبل المخاطرة العشوائية بصحتكم بسبب معلومات خاطئة أو مضللة يروّجها من لا تهمه حياتكم.