نشرت وسائل الإعلام قصة سيدة اشتبهت الشرطة بقتلها ابنها البالغ من العمر ست سنوات في شقتهما، ثم توجهت إلى مركز تجاري مسلحة بفأس هاجمت به حارس أمن المركز قبل إلقاء القبض عليها. وتبلغ أمّ الطفل الذي عثر على جثته في منزله في الكيان الإسرائيلي، 33 عاماً. وهو ما يذكرنا بحوادث مستمرة حول العالم تصعق بسبب المجتمع وبيئات الأعمال.

فكيف لشخص كان يبدو طبيعياً في المقابلة الوظيفية أو أيام الخطوبة الأولى أن يتحول إلى وحش كاسر؟ لا نقصد من يتعرض لأزمة نفسية طارئة، بل كيف تم توظيف شخص في وظيفة حساسة قبل التأكد من قدراته العقلية والنفسية وما إذا كان طبيعياً؟ في عالم الإدارة تصر لجان التوظيف على مرحلة "المقابلة الشخصية" مهما كانت السيرة الذاتية (الورقية) عطرة للتأكد من مدى أهليته. بل ويضطر البعض إلى لعب أدوار تمثيلية كالشرطي الوديع أو الشرير bad cop لمحاولة جس نبض ردود فعله على تصرفات قد تثير حفيظته لمزيد من الاطمئنان. وهذا لا يعني أن الإصابة بمشكلة نفسية بسيطة تمنع توظيفه، ولكن بعض المهن لا تستقيم معها بعض الأمراض النفسية المستعصية كقبطان الطائرة المدنية أو الحربية أو التعامل مع الجمهور، أو التعامل مع الآلات الحادة، أو التعرض لضغوط شديدة.

قبل التوظيف أو الارتباط بشخص ما لا بد من بذل جهود لفهمه. من متطلبات التعيين في مجالس الإدارة وبعض الوظائف شهادة خلو الصحيفة الجنائية من الجرائم المخلة بالشرف والأمانة ما لم يرد إليه اعتباره. ومن الطرق الأخرى الاتصال برب العمل السابق للتأكد من أهلية المتقدم للمنصب والوظيفة. ولا نتوقع هنا مديحاً لأن العلاقة قد تكون متوترة أو لوجود عدم انسجام بين قدرات المرشح وبيئة العمل أو مزاجية المدير السابق، لكن يمكن أن نأخذ انطباعاً أولياً عن سلامته العقلية وتوافر الحد الأدنى من القدرات.

في المؤسسات الكبرى، يعطى المرشحون للوظيفة اختبارات تقيس الشخصية وأخرى نفسية تجنباً للمفاجآت. لكن ذلك لا يحدث مع كل المراتب الوظيفية.

وحتى بعد التوظيف قد تستجد تحديات نفسية، هنا يأتي دور قسم الموارد البشرية في التعامل معها. في "غوغل" مثلاً يُقدم برنامج Mindfulness at Work وهو برنامج تدريبي عن اليقظة الذهنية وتحسين الحالة الصحية. وفي الجيش البريطاني برامج دعم وتقييم نفسي للجنود لضمان جاهزيتهم النفسية، وذلك لتفادي عوارض نفسية منها نوبات الاكتئاب أو الاحتراق الداخلي burnout، أو متلازمة ما بعد الصدمة PTSD وهي ما يمكن التعامل معها. كل تلك الجهود تسهم إنسانياً في مد يد العون للآخرين، وتقليل حجم الضرر المحتمل.

هناك تحديات نفسية تنشأ عن ضغوط الحياة أو تحميل الموظف ما لا يحتمل، وهي أمور عارضة قد تتفاقم بتجاهلها. وهناك أمراض نفسية مزمنة قد لا تتعارض مع طبيعة العمل، في حين أن بعضها يتصادم مع طبيعة المهمات الوظيفية.

مشكلة مجتمعنا أنه يدفعك الى التفكير ألف مرة قبل البوح بمشكلة نفسية، لأن كتمانها يكاد يكون مستحيلاً وقد يستخدمه آخرون بلؤم ضدنا في منافسة غير شريفة لتبوّء مناصب وامتيازات إدارية، مع أن منظمة الصحة العالمية تقول إن "الاضطراب النفسي يؤثر على شخص واحد من كل 8 أشخاص في العالم"، وهي حقيقة ينبغي تقبلها وحسن التعامل معها.