عندما التقى المبعوث الأميركي الخاص إلى لبنان آموس هوكشتاين المبعوث الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان في العاصمة الفرنسية مطلع الشهر الجاري، دار الحديث على إمكان انتخاب رئيس للبنان، وأبدى المبعوث الأميركي تشاؤماً إزاء سماح "حزب الله" بإجراء هذا الانتخاب ما دامت الحرب في غزة مستمرة. أما لودريان فقد أبدى شيئاً من التفاؤل قائلاً لمحاوره الأميركي إنه خلال زيارته الأخيرة للبنان خرج بانطباع أن الحزب منفتح على إجراء الانتخاب. لكن المبعوثين لم يتطرقا إلى أي اسم والتزما الاستمرار بالعمل مع اللجنة الخماسية حول هذا الملف.
يبدو تشاؤم هوكشتاين في محله، فالوضع المتأزم في الجنوب اللبناني، وقلق الدول المشاركة في قوات حفظ السلام "اليونيفيل" على جنودها، لا سيما فرنسا ورئيسها الذي عبر عن ذلك بوضوح في خطابه يوم العيد الوطني، من توسيع إسرائيل الحرب، يؤكدان أن لا رئيس في الأفق في لبنان. "حزب الله" لا يحتاج إلى رئيس وقرار الحرب والسلم في يده. حتى أن الإدارة الأميركية التي لا علاقات لها مع الحزب تجس نبضه عبر صديقها رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري حليف الحزب.
تفاؤل لودريان نابع من رغبته في أن ينجح في مهمة كلفه إياها الرئيس إيمانوبل ماكرون الذي، رغم كل مصاعبه الداخلية وتراجع وضعه السياسي مع تراجع موقع حزبه في الانتخابات التشريعية، يستمر في الاهتمام بالملف اللبناني. وهو سيستقبل رؤساء دول عربية وأجنبية يوم 26 تموز (يوليو) لمناسبة افتتاح الألعاب الأولمبية في باريس، من بينهم رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي وقادة من دول الخليج. ومن المؤكد أن ماكرون سيتطرق إلى الحرب الإسرائيلية في غزة والملف اللبناني معهم. ولقد دُعي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى حفل الافتتاح لكن لم يُعرف بعد إذا كان سيحضر أو سيرسل ممثلاً عنه. وتعوّل فرنسا على الدور السعودي في لبنان ويولي ماكرون أهمية كبيرة لعلاقته الثنائية مع المملكة وولي عهدها، ويأمل بالتحرك معه من أجل تحريك الملف اللبناني.
وكان ماكرون قد تحاور مع بن سلمان مرات عدة حول لبنان، وكل مرة كان جواب الأمير السعودي أنه يدعم أي تحرك فرنسي في الملف. لكن باريس تتطلع إلى انخراط سعودي فعلي في لبنان وعدم ترك البلد لـ"حزب الله" وإيران. إلا أن من الواضح أن لولي العهد السعودي أولويات وانشغالات أخرى تخص بلده تجعله يسلم الملف اللبناني إلى مستشاريه وإلى مستوى وزاري من دون أن يهتم به شخصياً.
هوكشتاين لن يزور المنطقة قبل انتهاء الحرب الإسرائيلية على غزة في ضوء المفاوضات الجارية بين إسرائيل والولايات المتحدة ومصر وقطر، لأنه بات مقتنعاً بأن زياراته لإسرائيل ولبنان في ظل الحرب المستمرة لن تفضي إلى نتائج، لا على صعيد الرئاسة اللبنانية ولا على صعيد وقف إطلاق النار على الحدود.
في ظل هذا الواقع، فإن بقاء لبنان بلا رئيس للجمهورية يعني أنه، في مستقبل قريب، إذا حصل تفاوض على حل لقضية حرب غزة والوضع على الحدود بين لبنان وإسرائيل، سيكون المفاوض اللبناني الحقيقي "حزب الله"، وليس الحكومة اللبنانية كما قال السيد حسن نصر الله. ولا فارق إذا انتُخب رئيس أو لم يُنتخب ما دام القرار الحقيقي هو بيد الأمين العام لـ"حزب الله" الذي قرر إشراك لبنان في حرب غزة. لذلك فإن من يعارض انتخاب مرشح الثنائي الشيعي سليمان فرنجية عليه أن يعترف بواقع أن أي رئيس آخر لن يقاوم إرادة الحزب.
وواقع الحال أن حوالي مئة ألف من سكان الجنوب اضطروا إلى ترك منازلهم وبساتينهم، لكنهم يتجنبون الإفصاح عن استيائهم لأن ذلك ممنوع عليهم.
إلى ذلك، سيكون التجديد لـ"اليونيفيل" مناسبة للإدارتين الأميركية والفرنسية للتذكير بضرورة إتاحة المجال للقوات الدولية لتقوم بمهمتها من دون عوائق تمنعها من الدخول بحرية إلى أماكن تشملها مهمتها.
التعليقات