في 4 يوليو 1776، أعلنت 13 ولاية أمريكية استقلالها عن بريطانيا، وقام قبلها، من أصبحوا تالياً يعرفون بـ«الآباء المؤسسين»، بتوقيع وثيقة الاستقلال، أو United States Declaration of Independence، التي أصبحت فيما بعد وثيقة عالمية، في مضامينها العظيمة، التي لم تتضمن بعض بنودها أي وثيقة مماثلة لها، كالنص التالي: «.. ونحن نرى أن هذه الحقائق بديهية، وأن جميع البشر خلقوا متساوين، وأنهم وهبوا من خالقهم حقوقاً غير قابلة للتصرف، وأن من بين هذه الحقوق حق الحياة والحرية و(السعي وراء السعادة)»! فهذه واحدة من أشهر الجمل في اللغة الإنكليزية، وأقواها عبارة وترتيباً في التاريخ الأمريكي، وأصبحت تمثل للعديد من الناس المعيار الأخلاقي، الذي ينبغي على الولايات المتحدة الدفاع عنه. وقد أثرت وجهة النظر هذه في الكثيرين، ومنهم الرئيس أبراهام لينكون، الذي قاد تالياً معركة «إلغاء نظام الرق» في أمريكا، بعد انتصاره في الحرب الأهلية بين الولايات الشمالية والجنوبية، المحافظة.

لكن ماذا حدث للرجال الـ56، الذين وقعوا على إعلان الاستقلال؟

بالرجوع إلى المصادر نجد أن مصائر هؤلاء الموقعين كانت متنوعة، فقد واجه العديد منهم تحديات كبيرة في حياتهم بعد توقيع الإعلان. فجون هانكوك، الذي كان رئيس الكونغرس القاري، وأصبح لاحقاً حاكماً لولاية ماساتشوستس، لم يتعرّض لأذى مباشر، لكنه واجه تحديات سياسية واقتصادية كبيرة. كما أن توماس جيفرسون، الذي ينسب له الفضل في كتابة نص الإعلان، فقد عاش ليصبح لاحقاً الرئيس الثالث للولايات المتحدة، وامتلأت حياته السياسية بالإنجازات والتحديات.

كما كان بنجامين فرانكلين، الذي تظهر صورته على عملة المئة دولار، عالماً ودبلوماسياً، وأصبح لاحقاً واحداً من أبرز الآباء المؤسسين للولايات المتحدة. قضى سنواته الأخيرة في الخدمة العامة، ولم يتعرض لأذى مباشر.

أما جون آدامز، فقد أصبح لاحقاً الرئيس الثاني للولايات المتحدة، وبالرغم من أنه واجه تحديات سياسية كبيرة، فإنه لم يتعرّض لأذى مباشر. أما الباقون فقد واجهوا مصائر مختلفة، فكثير منهم فقد ممتلكاته، وتعرّض غيرهم للسجن والتعذيب، على يد الحاكم الإنكليزي، وأُبقي آخرون لفترات طويلة كأسرى، هذا بخلاف الفقر والتحديات والمصاعب الاقتصادية التي واجهت الأغلبية، وبالرغم من ذلك فإنهم جميعاً يعتبرون أبطالاً وطنيين في تاريخ الولايات المتحدة، قدموا تضحيات كبيرة من أجل الحرية والاستقلال.

نستذكر كل هذا العبر، في هذه الأيام، مستذكرين دروس الغزو الصدامي، التي لم نتعلّم منها الكثير، وللإشادة بما قام به الآباء المؤسسون لأمريكا، ودور تلك الدولة العظيم في تحرير وطننا وشعبنا من نير حكم صدام ومجرميه، يوم أرسلت حوالي نصف مليون عسكري لتحريرنا، بالرغم من أن بعض صحفنا، في حينه، ونوابنا كانوا يشتمونها ويتشدقون بالعروبة والعزة الغائبة. دفعت أمريكا المليارات من أموال دافعي الضرائب لتحرير الكويت، وتحملت تكلفة إسقاط ديون مصر وغيرها، لحثها على الوقوف معنا. وكانت حصتها الأكبر من الـ٢٩٢ عسكرياً، الذين قتلوا في حرب تحرير الكويت، من قوات التحالف، ورفضت كل عروض صدام المغرية لإعطائها تسهيلات عسكرية، وبترولاً عراقياً وكويتياً رخيصاً مقابل أن يُترك لحاله، لكن أمريكا سخرت منه ومن سخيف عروضه!

لا ينكر إلا جاحد دور أمريكا العظيم في تحرير الكويت، في عملية غير مسبوقة في التاريخ، حيث لم تأخذ مقابل كل ما قدمته دولاراً واحداً أو برميل نفط مجانياً. كما لم تمتد يد جندي أمريكي، أو من قوات الحلفاء، حتى إلى علبة كبريت أو دمية صغيرة.

كما كان لقيادتها العظيمة دور في كسب الكونغرس لصف الحرب، وبذل جهود مضنية لتحييد الاتحاد السوفيتي والصين، والتعامل بحزم مع موقف الرئيس الفرنسي شيراك، صديق صدام، هذا بخلاف دورها الأكبر في إقناع إسرائيل بعدم الرد على الصواريخ العراقية، لإفشال خطة صدام بجرها للمعركة، وإعطاء الاحتلال بعداً قومياً.

كان من المفترض إطلاق أسماء بوش وتاتشر وشوارتزكوف، على أكبر شوارعنا، كما فعلت دول أوروبا الغربية بعد الحرب العالمية الثانية، ولكن يبدو أنهم لم يكونوا أصلاً بحاجة لهذا «الجميل»!

وفي الختام، نتمنى تغيّر الموقف الأمريكي من القضية الفلسطينية، والاعتراف لهم بدولة مستقلة.