رئيس الوزراء البريطاني، السير كير ستارمر، الذي انخفضت شعبيته بـ16 في المائة عقب احتجاجات في مدن عدة، متهم بتجاهله أسباب المظاهرات (ضد سياسة الهجرة)، وباستغلاله الاحتجاجات لفرض رقابة غير مسبوقة على حرية التعبير والنشر، وأنه يحاول إكمال خطوات بدأتها حكومة توني بلير العمالية في فرض إجراءات تحوِّل المجتمع الليبرالي إلى «كابوس ديستوبي» بالتحكم في كل مقاليد الأمور.

صرّح ستارمر، أول من أمس، بأنَّ منصات التواصل الاجتماعي «ليست مستثناة من القانون»، خلال تفقده مركز أسكوتلاند يارد، رداً على أسئلة بشأن اعتقال أشخاص والحكم على اثنين بالحبس بتهمة نشر معلومات على «فيسبوك» أثارت كراهية وعنصرية أدَّت إلى العنف.

رئيس الحكومة يرى أن الأحكام القضائية (بين شهرين و38 شهراً حبساً) على المتظاهرين، الذين صنفتهم حكومته «بلطجية من اليمين المتطرف» كانت الرادع الذي منعهم من التظاهر يوم الأربعاء، بينما شهدت لندن ومدن عدة في اليوم نفسه مظاهرات مضادة رتبها اليسار وأبناء المهاجرين. سبب توقع المتاعب كان معلومات على مواقع التواصل الاجتماعي وخدمة «تلغرام» بتوقع 100 مظاهرة احتجاج ضد الهجرة من «اليمين المتطرف»؛ مما دفع اليسار ونشطاء المهاجرين وحلفاءهم إلى تنظيم مظاهرات مضادة.

وكنت وزميل صحافي خضنا جدلاً مطولاً مع مستشاري رئيس الوزراء حول تعريفهم لـ«اليمين المتطرف» دون أن نخرج بإجابة شافية، أو ما إذا كانت هناك أدلة بالفعل على إمكانية هذا «اليمين المتطرف» وقدرته على تنظيم 100 احتجاج في 100 مدينة في يوم واحد (وهو ما يتطلب ما لا يقل عن 50 ألف عضو في تنظيم متطرف).

يوم الخميس، اتضح أن ما نُشر على مواقع التواصل الاجتماعي ما يُعرِّفه الإنجليز بـ«hoax» أو خدعة مزاح سخيف، لكن أصحابها برروها (من جماعة يسارية تسمي نفسها مناهضي الفاشية) بأنها ساعدت على حشد قوى اليسار التقدمية والعرقيات المختلفة في استعراض قوة ضد اليمين «المناهض للهجرة».

ظهرت حالة انسجام بين الجماعات اليسارية (المناهضة لليمين المتطرف، الذي لا تعريف له)، وحكومة «العمال»، وعمدة لندن، صديق خان، الذي قال لـ«الغارديان» إنه «يخشى على حياته بوصفه مسلماً في لندن»؛ بسبب ما ينشر من «اليمين» على منصات التواصل الاجتماعي، وطالب بقوانين تجبر أصحابها على حجب ما سمّاه أخباراً وشائعات تسببت في المظاهرات.

خان كان وزيراً في الحكومة العمالية السابقة (حتى 2010) فبعكس سابقيه، يتدخل لمنع الإعلانات التي لا تعجب حلفاءه من اليساريين في الأماكن العامة.

مثيرو الشغب الذين سمّاهم ستارمر «بلطجية اليمين المتطرف» كانوا أقلية، وكثيرهم تحت تأثير الشراب، بينما أغلبية المتظاهرين المستائين من تجاهل مطالبهم (ارتفاع أعداد المهاجرين، خصوصاً غير الشرعيين، ونقص الخدمات) كانوا مسالمين، لكن ما زاد من استيائهم كان رد فعل حكومة ستارمر ومؤسسات الإعلام الكبرى، إذ رحبوا بالمسيرات والمظاهرات المضادة، التي عُرفت بـ«مظاهرات دعم مزيد من الهجرة» (مثلما سمَّتها صحافة يمين الوسط وهي أقلية في المشهد الإعلامي). ظهرت في المسيرات لافتات وأعلام (أكثرها العلم الفلسطيني) لقضايا ونزاعات خارج بريطانيا ما عدا العلم البريطاني، مما يشكّل استفزازاً للبريطانيين من سكان البلاد الأصليين. هذا أيضاً يزيد من قناعتهم بخطاب اليمين الشعبوي، بعد فقدانهم الثقة بالحزبين الكبيرين والمؤسسات الإعلامية الكبرى. تعاملَ ستارمر وحلفاؤه مثل عمدة لندن مع التذمر بوصفه قضيةً أمنيةً يمكن مجابهتها بفرض أحكام رادعة، وقيود الرقابة على ما يُنشر. وإذا كانت حكومة ستارمر فشلت في وضع تعريف دقيق لـ«اليمين المتطرف»، فكيف يمكنها وضع مقاييس وتعريفات دقيقة لنوعية الأخبار، وما يمكن نشره أو حجبه على منصات التواصل الاجتماعي؟ ومَن الجهة صاحبة الكلمة الفيصل في وضع هذه المقاييس؟

أعداد متزايدة من البريطانيين تتجه لمصادر غير تقليدية كالتواصل الاجتماعي، لفقدانها الثقة بالمؤسسات الكبرى العريقة.

الأخيرة بدورها تساير ستارمر في إلقاء اللوم على «اليمين المتطرف» ومنصات التواصل الاجتماعي، وربما يمكن تقييد بعضها، لكن الناس تستطيع متابعة الوسائل البديلة من وراء الحدود. مكتب ستارمر وإيلون ماسك تراشقا الكلمات على منصة «إكس» التي يمتلكها الأخير؛ بسبب تغريدة توقّع فيها «حرباً أهلية في بريطانيا».