لاحظ العلماء أن الذكاء الاصطناعي بدأ يتغذى على ما تجود به قريحة منصاته، ويتوقع أن يصل إلى مرحلة "التهام ذاته" ما لم يسارع القائمون عليه إلى إيجاد آلية فلترة وتنظيف مستمرة.

بوادر تلك المعضلة ظهرت في مواقع تنتج صوراً مكررة أو هجينة مما أصدرته منصات الذكاء الاصطناعي. والأمر نفسه يخشاه العلماء وهو إنتاج الذكاء معلومات غير منطقية أو لا معنى لها وفق دراسة نشرت في دورية "نيتشر" العلمية الذائعة الصيت، حسبما ذكرت وكالة "فرانس برس".

هذه "البيانات الاصطناعية" كما تسمى، تقل جودتها لأنها في الواقع أُنتِجَت من معطيات آلات متعددة تمخضت عن إجابات أقل جودة. وقد شُبهت تلك الحالة بتصوير ورقة بتقنية المسح الضوئي ثم طباعتها، ومن ثمة تكرار النسخ والطباعة لمرات عديدة فتفقد معها جودتها ثم تصبح عديمة الجدوى أو غير مقروءة! والنتيجة نفسها وقعت في مواقع شهيرة مثل "ميدجورني"، و"دال-إي"، و"ستيبل ديفيوجن"، بحسب باحثين من جامعتي "ستانفورد" و"رايس" الأميركيتين.

مشكلة الذكاء الاصطناعي سوف يجد لها العلماء حلاً، خصوصاً أننا نتحدث عن أعجوبة من عجائب البشرية فاقت برأيي كل العجائب السبع. فمن نجح في صهر لغات البشرية ولهجاتها في بوتقة واحدة لتقدم لنا معلومات وأفكاراً ورؤى وصوراً ورسوماً مذهلة، حتماً سيجد حلاً لهلوساته وتكراراته.

غير أن ما أثار تفكيري وأنا أقرأ ذلك التقرير هو أنه ليس الذكاء الاصطناعي من سيلتهم نفسه وأفكاره فحسب، فحتى معشر البشر الذين يتربعون على مقاعد وثيرة لن يطور بعضهم نفسه عندما يشعر بأن أحداً لن يخلعه من منصبه! ولذلك لا يميل إلى مزيد من القراءة، والاطلاع، والتدريب والتطوير حتى يدرك متأخراً أن معلوماته وأفكاره قد نضبت وصار أصغر موظف مجتهد يمكن أن ينافسه. وهذه المعضلة الأزلية التي يعانيها الضعفاء الذين تبوأوا مناصب لا يستحقونها.

كما أن ما يحدث للذكاء الاصطناعي من نسخ أفكار منصاته يجري للبشر الذين يجالسون محدودي القدرات والتفكير. والأسوأ أن يوظفوا من هم أسوأ منهم، فلا نتوقع أن تثمر علاقتهم شيئاً مجدياً. ولذلك قال المحاضر التحفيزي المتألق جيم رون: "ستصبح معدل خمسة أشخاص ممن تقضي معهم معظم أوقاتك". وهذا ما يدفع كثيرين إلى تحمل مخالطة الأذكياء والضالعين في مجالاتهم لأنه بغض النظر عن صعوبة التأثير عليهم أو إقناعهم إلا أنهم مصدر كبير للمعلومة والتجربة.

وكلما لاحظ المرء أنه بدأ يردد المعلومات والأفكار والآراء نفسها، بدأ يدور في حلقة مفرغة، حيث صار "يلتهم نفسه". الأمر الذي يتطلب تجديداً جذرياً في يومياته وعلاقاته.

يسهل أن نلقي باللائمة على شماعة "أطراف خارجية" نزعم أنها تسببت في تراجع أدائنا. لكن ما لا يغتفر أن نكون نحن سبباً جذرياً في "التهام ذواتنا" لأن أحداً منا لم يكلّف نفسه عناء تطوير ذاته وفلترة معلوماته وأفكاره ليبقى عنصراً فاعلاً في محيطه.