خيرالله خيرالله

تؤكد الذكرى الخامسة والعشرون لاعتلاء محمد السادس العرش في المغرب وجود بلد متصالح مع نفسه. تكمن أهمّية المغرب، قبل أي شيء آخر، في تلك اللحمة بين الملك والشعب، التي جعلت من المملكة المغربية واحة سلام واستقرار في منطقة مضطربة. أكثر من ذلك، استطاع المغرب بقيادة محمد السادس تطوير نفسه والمحافظة على وحدته الترابية في مواجهة حرب استنزاف تشنها عليه الجزائر منذ عام 1975، تاريخ استعادة الأقاليم الصحراوية من الاستعمار الإسباني بطريقة سلميّة. كانت "المسيرة الخضراء" التي قام بها الشعب المغربي أكبر دليل على الروح السلمية التي تمسّك بها المغرب، في ظلّ الملك الحسن الثاني، من أجل استعادة أقاليمه الصحراوية، وتأكيد قدرته على حماية وحدته الترابيّة.

يكمن سرّ تفوق محمد السادس في تلك القدرة العجيبة التي يمتلكها على الجمع بين الإنجازات الداخلية والدور المغربي على الصعيدين الأفريقي والعربي، وحتّى على الصعيد الدولي، من خلال الواجهة الصحراوية للمغرب، أي ميناء الداخلة تحديداً. يجعل ذلك وجود انفتاح أفريقي على القارة الأميركية بفضل المغرب وعبره.

من هذا المنطلق، باستطاعة محمد السادس الذي تشغله في هذه الأيام مشكلة المياه في المغرب، القول في مطلع خطابه في الذكرى الخامسة والعشرين لاعتلائه العرش: "شعبي العزيز، نخلّد اليوم، بكل اعتزاز، الذكرى الخامسة والعشرين لاعتلائنا العرش. وخلال هذه السنوات، حققنا، والحمد لله، العديد من المكاسب والمنجزات، في مجال الإصلاحات السياسية والمؤسسية، وترسيخ الهوية المغربية. كما أطلقنا الكثير من المشاريع الاقتصادية والتنموية، والبرامج الاجتماعية، لتحقيق التماسك الاجتماعي، وتمكين المواطنين من الولوج للخدمات الأساسية. وعملنا كذلك على تكريس الوحدة الترابية، وتعزيز مكانة المغرب، كفاعل وازن وشريك مسؤول وموثوق به، على الصعيدين الجهوي (الداخلي) والدولي. شعبي العزيز، إن ما حققناه يعطينا الثقة في الذات، والأمل في المستقبل. إلا أن التحديات التي تواجه بلادنا تحتاج إلى المزيد من الجهد واليقظة، وإبداع الحلول، والحكامة في التدبير. ومن أهم هذه التحديات إشكالية الماء التي تزداد حدة بسبب الجفاف، وتأثير التغيرات المناخية، والارتفاع الطبيعي للطلب، إضافة إلى التأخر في إنجاز بعض المشاريع المبرمجة، في إطار السياسة المائية. فتوالي ست سنوات من الجفاف أثر بشكل عميق على الاحتياطات المائية، والمياه الباطنية، وجعل الوضعية المائية أكثر هشاشة وتعقيداً. ولمواجهة هذا الوضع الذي تعاني منه العديد من المناطق، لا سيما في العالم القروي، أصدرنا توجيهاتنا للسلطات المختصة لاتخاذ جميع الإجراءات الاستعجالية والمبتكرة لتجنب الخصاص (النقص) في الماء. وما فتئنا نشدد على ضرورة التنزيل الأمثل لكل مكونات البرنامج الوطني للتزويد بماء الشرب ومياه السقي (2020-2027)، الذي ساهم، والحمد لله، في التخفيف من حدة الوضع المائي".

تظل تلك القدرة على الاهتمام بكل ما يهم المواطن المغربي ميزة خاصة بمحمد السادس الذي هو قبل كل شيء الملك الإنسان الذي يدرك أهمية المياه بالنسبة إلى كل مغربي، وبالنسبة إلى كل منطقة مغربية. يدرك محمد السادس أهمية توفير المياه لأبناء الشعب المغربي، ولماذا هناك حاجة أكثر من أي وقت إلى تحلية مياه البحر وتعميم التجربة الناجحة التي بدأت بالدار البيضاء في هذا المجال.

كان خطاب العاهل المغربي في ذكرى مرور ربع قرن على اعتلائه العرش مناسبة للتذكير بالدور العربي للمغرب على الصعيد الفلسطيني خصوصاً. من هذا المنطلق، قال محمد السادس: "إن الاهتمام بالأوضاع الداخلية لبلادنا لا يُنسينا المأساة التي يعيشها الشعب الفلسطيني الشقيق. وبصفتنا رئيس لجنة القدس، عملنا على فتح طريق غير مسبوق لإيصال المساعدات الغذائية والطبية الاستعجالية لإخواننا في غزة. وبنفس روح الالتزام والمسؤولية، نواصل دعم المبادرات البناءة التي تهدف لإيجاد حلول عملية، لتحقيق وقف ملموس ودائم لإطلاق النار، ومعالجة الوضع الإنساني. إن تفاقم الأوضاع بالمنطقة يتطلب الخروج من منطق تدبير الأزمة، إلى منطق العمل على إيجاد حل نهائي لهذا النزاع، وذلك وفق المنظور التالي:

- أولاً: إذا كان التوصل إلى وقف الحرب في غزة أولوية عاجلة، فإنه يجب أن يتم بموازاة فتح أفق سياسي، كفيل بإقرار سلام عادل ودائم في المنطقة.

- ثانياً: إن اعتماد المفاوضات لإحياء عملية السلام بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي يتطلب قطع الطريق على المتطرفين، من أي جهة كانوا.

- ثالثاً: إن إرساء الأمن والاستقرار بالمنطقة لن يكتمل إلا في إطار حل الدولتين، تكون فيه غزة جزءاً لا يتجزأ من أراضي الدولة الفلسطينية المستقلة، وعاصمتها القدس الشرقية".

يتحدث العاهل المغربي، بصراحة ليس بعدها صراحة وشجاعة ليس بعدها شجاعة، عن كيفية التعاطي مع حرب غزّة وكيفية إنهائها بعيداً عن "المتطرفين من أي جهة كانوا". يستطيع ذلك، لأن المغرب بات استثناء في المنطقة، وبات قادراً على التحرّك انطلاقاً من قاعدة داخلية ثابتة أسّسها محمد السادس الذي عرف كيف يطور تجربة أسلافه، خصوصاً تجربة والده الحسن الثاني وجدّه محمد الخامس اللذين وضعا الأسس لتجربة متطورة تقوم على العلاقة العضوية بين الملك والشعب.