هل من المعقول طيّ صفحة الكماليات الضرورية في المناهج، من دون استيفاء الكيل بالتعريج المضاف إليها؟ التطوير يستلزم بناء فلسفة ورسالة للتعليم. ولىّ زمان حشو الأدمغة. اليوم نحتاج إلى العلوم العصبية، ثم علم النفس التربوي من خلال العلوم العصبية. أي أن التجديد يجب أن يوكل إلى لجان متعددة التخصصات. تذكيراً بما سلف في هذا العمود، على الجهات المعنية أن تدرك أن ذلك الطفل الذي يطأ أوّل مرّة عتبة المدرسة، إنما هو دماغ فيه ستة وثمانون مليار خلية عصبية، بينها ستة وثمانون تريليوناً من التشابكات العصبية. أي أن في كل مدرسة مئات وربما آلاف من أعظم حاسوب في الكون. ألا يستحق الأمر تأسيس فلسفة ورسالة للتربية والتعليم؟ أم نختصر المهمّة في قوارير معلومات تُصبّ بالقُمع؟لا شك في أن الكماليات الضرورية التي ذكرها القلم أمس، بعضها لا يمكن تدريسه كمواد، وإنما السبيل أن تسري في شرايين الأساليب التربوية. مثلاً: حريات الفكر والرأي والتعبير، احترام الرأي الآخر، البحث العلمي والتحقيق، وما جرى مجراها، يزرعها المربّي كطرائق أداء في الأدمغة. هذا إذا لم تكن الأسرة قد زرعتها قبل المدرسة. لا تُترك تلك الممارسات الذهنية الرفيعة، إلى ما بعد التخرج في الجامعة: «بعدما شاب، ودّوه للكتّاب؟». لهذا تجثم الأنظمة الاستبدادية على صدور البلدان عشرين، ثلاثين، أربعين سنة، والناس لا يشعرون إلى أن يروا دابّة الأرض تأكل منسأتها، ولو نشأت تلك الشعوب على العدل وكرامة الإنسان، «ما لبثوا في العذاب المهين».كدنا ننسى المضاف. في المقدّمة تربية الإحساس بالجمال. لطالما تناول العمود أهمية الإحساس بجمال اللغة، وعدّه أهمّ من النحو. تلك التربية تهب الأمّة المبدعين في أجناس الأدب. ليس المهمّ أن يحسن الشخص كتابة نص خالٍ من الأخطاء، اليوم «كفى المرء فخراً أن تُعدّ مغالطُهْ». نصح القلم مراراً مناهج الفرع الأدبي بأن تقتدي بمعاهد الموسيقى، فالطالب في خمس سنوات يكون قد تمرّن على العزف، على الآلة التي اختارها، ما لا يقل عن ستة آلاف ساعة. كم ساعةً يتمرّن طالب الأدب على الكتابة من الثانوية إلى الجامعة؟خمسمئة؟ ألف؟ماذا لو وضعت أنظمة التعليم في «تعليم مُوازٍ»، مناهج مستوحاةً من مدارس الفنون الجميلة. أربع ساعات أسبوعياً: موسيقى، ولكن بمنهاج أكاديمي، فنون تشكيلية، مسرح، ذكاء اصطناعي، غرافيك، إخراج سينمائي... ويُعدّ كل مقرّر بعد دراسته.لزوم ما يلزم: النتيجة الاعتذاريّة: متى يتوب العرب عن رؤية الضروريّات كماليّات؟
- آخر تحديث :
التعليقات