د. محمد النغيمش

أثيرت أقاويل عدة حول تعقيد القائمين على كرة القدم لقوانينها، منذ بدء المحاولات الأولى لإيقاف مجريات اللعب المحتدم، ليتفرس الحكم في شاشة الفيديو المساعد (الڤار)! هناك من طالب بالاعتماد على عيون الحكام وضمائرهم، إلا أن ذلك لا يبدو أنه يحسن من سرعة اتخاذ القرار الصائب.

وتجدد هذا النقاش بعد إعلان رابطة الدوري الإنجليزي الأسبوع الماضي عن تسريع جودة اتخاذ القرار في اللعبة الأكثر شعبية في العالم، عبر تحسين تقنية وإجراءات الڤار، والتسلل، وتشكيلة البدلاء، والوقت البديل.

وسيصبح في مقدور الجماهير الحاشدة الإنصات إلى حديث الحكام عبر مكبرات الصوت في الملعب، ليبقوا على علم بمجريات القرار ولتقل خيبات أملهم وشكوكهم. ومن المقرر استخدام تقنية التسلل شبه الآلية في الدوري الإنجليزي لهذا الموسم، إذ يتوقع أن توفر نحو 31 ثانية في كل قرار، للتأكد من مدى صحة تسلل المهاجم خلف الدفاعات. وقُلِّصَ متوسط الوقت بدل الضائع الذي كان يلامس سقف الثلاث دقائق لكل شوط، بحيث يبدأ احتساب الوقت بدل الضائع بعد 30 ثانية من إحراز الهدف وليس تسجيله، وذلك لتقليل مدة التوقف.

وسوف تلاحظ الجماهير من الآن فصاعداً توزيع 15 مخروطاً بلاستيكياً حول الملعب، فيها كرات موزعة لتسريع وصول اللاعبين إليها، فضلاً عن تواجد حاملي الكرات خلف المرمى لتعجيل إعادة الكرة للحراس أثناء تنفيذ ضربات المرمى.

كل هذه القرارات تحاول تسريع وتيرة اتخاذ شتى أنواع القرارات قبل القرار المنتظر بإطلاق صافرة انتهاء المباراة.

في بدايات الأمر، لا يحبذ الناس التغيير وخصوصاً في ما يعتبرونه بديهيات. غير أنهم ينسون أن الإنسان بشر وكل ابن آدم خطاء. هناك من تخونه عيناه بسبب زغللة، أو حجب لاعبين آخرين لمشهد الفاول (المخالفة). وهناك من تنتابه نوبة غضب وتوتر من ضغوط اللاعبين والجماهير، فيتخذ قراراً متسرعاً يصعب التراجع عنه!

ويمكن القول إنه في شؤون حياتنا، تكمن أهمية سرعة اتخاذ القرار في أنها تؤدي إلى اغتنام الفرص وتجنب المخاطر. وفي بيئات العمل المتغيرة يساعد القرار السريع على اللحاق بركب المتقدمين. وتعزز سرعة القرار من ثقتنا بالقيادة، وتعطي دافعاً للعاملين لمزيد من العطاء. ولذلك كان عدو القرار السريع التسرع في اتخاذه قبل دراسته. والدراسة لا تعني شهوراً ولا أسابيع فقد تستغرق دراسة قرار نصف يوم نتوصل من خلاله إلى كل التداعيات والمزايا المتوقعة، فالسرعة بحد ذاتها ليست المطلب الأوحد، لأن القرار المتهور يرتكز على السرعة فقط وشيء من الافتقار للحكمة. ولهذا كلما أحاط متخذ القرار نفسه بحكماء وأصحاب خبرات متراكمة خفف ذلك من تداعيات كل قرار.

ولأن القرارات منها ما يمس بضعة أفراد وأخرى تهم جمهوراً عريضاً مثل كرة القدم، فإن الاستئناس برأي شتى التخصصات أمر في غاية الأهمية لتحقيق مبدأ الشمولية مثل فنيي التكنولوجيا، وممثلي الجماهير، واللاعبين والإداريين وغيرهم من أصحاب المصلحة والعلاقة.

وقبل البت بأي قرار سريع لا بد من تذكر أنواعه. فهناك قرارات فردية، وجماعية، وروتينية، وغير تقليدية. الفردية عادة ما تكون في صميم صلاحيات متخذها، وهذا لا يمنع من سماع آراء وتوجهات مغايرة. أما الجماعية فمهمتها أخف وطأة، لأنها عادة ما تصدر عن مجلس إدارة أو لجنة.

بعض القرارات تتطلب بطبيعتها وقتاً طويلاً ليتم طهيها على نار هادئة، وليس من الحكمة سرعة البت بها، مثل القرارات الاستراتيجية. وهناك قرارات مبرمجة تتكرر باستمرار. أما غير المبرمجة فتلك التي تتعلق بالمواقف الفريدة التي تستدعي تفكيراً إبداعياً للخروج بحلول ناجعة. وهذه عادة ما يخفق فيها من يفتقر لأبجديات اتخاذ القرار ناهيك عن سرعته. إذا كانت المحاكم فيها لجنة من ثلاثة قضاة للبت في قضية بديهية (يقودهم رئيسهم) فمن من باب أولى أن يستشير متخذ القرار آخرين. في كل ميدان تحديات تواجه متخذ القرار، وأخفها وطأة تلك التي تحدث في ملعب الفرد الملم بشتى أبعاده.