علي حمادة

يوم أمس أقفل ملف الرد على اغتيال رئيس أركان "حزب الله" فؤاد شكر، وعاد طرفا المعادلة "حزب الله" وإسرائيل إلى الإطار السابق للمواجهة بينهما، أي الى ما يسميه "حزب الله" حرب "الدعم والإسناد". فبصرف النظر عن الحرب الدعائية التي يمارسها الطرفان، في غياب معلومات من مصادر مستقلة موثوقة الى حد ما، يستحيل على المراقب ان يكتفي ببيانات الطرف الإسرائيلي بمستوييه السياسي والعسكري. وبالتأكيد لا يمكن الركون الى الضخ الدعائي الذي يؤديه "حزب الله"، إما بما ينشره من بيانات رسمية، أو بما يدلي به جيش المعلقين والمحللين العاملين تحت جناحه. فالضربة التي وجهها "حزب الله" الى مواقع عسكرية في إسرائيل كانت مدروسة جداً، اذ وفق بيان للحزب المذكور وجهت الهجمات مع "الحرص" على ان لا يؤدي الرد الى حرب شاملة. بمعنى آخر أن الهدف كان اقفال الملف وطي صفحة الرد "الحساس" الذي ألزمت قيادة "حزب الله" نفسها بإتمامه من اجل اعادة الاعتبار، وترميم ما أمكن من قوة الردع التي كان "حزب الله" وأمينه العام يعتدان بها، ويفاخران تحت الشعار الشهير "نحمي ونبني" بأنه تم تثبيت معادلة ردع تمنع إسرائيل من الاعتداء على لبنان.

لكن بعملية اغتيال القائد العسكري الأول في الحزب فؤاد شكر ليلة 30 تموز (يوليو) الفائت تضررت معادلة الردع، بعدما كان سبق أن تخلخلت على مدى الأشهر العشرة الماضية جراء قيام إسرائيل باستهدافات مركزة أدت، أولاً الى قتل مئات من المقاتلين والقادة الميدانيين في "حزب الله"، وثانياً إلى تدمير حزام من القرى والبلدات الحدودية في الجنوب، وثالثاً إلى توسيع الضربات وتعميقها وصولاً إلى قلب البقاع الشمالي المعتبر حاضنة رئيسية للحزب وقواته العسكرية.

في المقابل، لم يتمكن الجانب الإسرائيلي من إثبات واقعة أنه حقيقة أجهض الضربة بشكل استباقي كما ورد في بيانات الجيش الإسرائيلي. فالحديث عن 6000 صاروخ ومسيرة جرى إعدادها لضرب إسرائيل يحتاج في الأيام القليلة المقبلة الى انتظار تدقيق جدي في الرواية من مصادر اسرائيلية من خارج المنظومة الدعائية الإسرائيلية، أو من مصادر صحافية دولية مستقلة. فرقم 6000 صاروخ يتم تحضيرها وبرمجتها لضرب إسرائيل دفعة واحدة ضخم جداً، وصعب التصديق. كما يسهل اكتشاف حركة من هذا القبيل مع التحليق المكثف لطيران الاستطلاع الإسرائيلي والأميركي في المنطقة، من دون أن ننسى الدقة الاستخبارية الإسرائيلية البشرية على الأرض، والاختراق الكبير في صفوف "حزب الله". ثم لو كانت رواية الـ 6000 صاروخ موجه شطر إسرائيل صحيحة ونجحت لاشتعلت حرب شاملة بما يناقض تماماً نص أحد البيانات الرسمية لـ"حزب الله" الذي جاء فيه: "حرصنا على ألا يؤدي ردنا الى حرب شاملة"!

وهذه ليست المرة الأولى التي يؤكد فيها "حزب الله" انه يخوض حرب استنزاف محدودة تحت شعار "الدعم والإسناد" لقطاع غزة والفصائل الفلسطينية التي تقاتل هناك. الحرب الشاملة تخوضها حركة "حماس" التي يمكن أن تكون استدرجت إلى حرب مع إسرائيل نتيجة عملية "طوفان الأقصى"، ثم تركت وحدها تخوضها شاملة مفتوحة بلا سقوف، فيما اكتفى محور "وحدة الساحات" بقيادة إيران بفتح جبهات مساندة غير مكلفة، ومحدودة بمخاطرها على إيران وفصائلها في المنطقة، وفي مقدمتها "حزب الله" الذي يعتبر الاستثمار الأهم والأكبر منذ أربعة عقود.

وكما طوي ملف مجزرة القنصلية الإيرانية في دمشق بهجوم 13 - 14 نيسان (أبريل) الماضي الاستعراضي، طوي يوم أمس ملف اغتيال أرفع شخصية عسكرية في "حزب الله" بهجوم ملتبس. فماذا عن ملف "كرامة ايران" التي أصيبت في الصميم باغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنية في قلب طهران؟ كيف سيطوى؟