علي عبيد الهاملي

حملة التشويه التي تتعرض لها المملكة العربية السعودية هذه الأيام من خلال فيلم «The goat life» الهندي ليست الأولى، ولن تكون الأخيرة، في سلسلة حملات التشويه التي يشنها البعض على العرب والمسلمين بشكل عام، وعلى دول الخليج بشكل خاص، لأن المملكة العربية السعودية تمثل رمزاً خليجياً وعربياً بحكم حجمها ودورها، كما تمثل رمزاً إسلامياً بحكم وجود المقدسات الإسلامية فيها. لهذا فإن الضجة التي أثيرت وتثار حول الفيلم ليست بريئة، تماماً مثلما أن اختيار اسم «حياة الماعز» للفيلم ليس بريئاً.

الفيلم الذي بدأ عرضه في مارس الماضي، واسمه باللغة الماليالامية التي يتحدث بها سكان جنوب الهند «أدوجيفيثام»، مقتبس من رواية «أيام الماعز» للمؤلف الهندي بنيامين، وهي الرواية التي صدرت عام 2008 عن دار «بنغون» البريطانية للنشر، وصدرت الطبعة رقم 250 منها هذا العام. وقال موقع «بي.بي.سي عربي» إنها «حازت إشادة واسعة النطاق، كما أثارت نقاشاً حول قسوة حياة المهاجرين في الخليج».

هذا الوصف من قبل موقع «بي.بي.سي» عربي، بالإضافة إلى صدور الرواية عن دار نشر بريطانية، يعطياننا انطباعاً عن مدى الترويج الذي يمكن أن تجده الرواية والفيلم القائم عليها، واستغلالهما لتشويه صورة دول الخليج العربية وأهلها، وهو هدف ليس جديداً إذا رجعنا إلى تاريخ الحملات التي استهدفت هذه الدول على مدى العقود الماضية، وجاءت على شكل روايات وأفلام ومقالات.

العلاقة التي تربط الهنود، وأهل «كيرالا» على وجه الخصوص، بدول الخليج عميقة وتاريخية، تأسست منذ عقود، يشهد عليها جيل الخمسينيات وما بعدها من أهل المنطقة، وهي مرحلة لا تزال عالقة بذاكرة الأحياء من الطرفين، طرف أهل الخليج، الذين كثيراً ما كانت الهند وجهة سفرهم الأولى للتجارة والعلاج والاستجمام، وطرف الهنود الذين هاجروا إلى المنطقة منذ عقود وعملوا بها، وما زال أبناؤهم يعيشون على أرضها.

عندما زرنا منطقة «كيرالا» في فبراير الماضي وجزء منها ما لمسناه من أهل «كيرالا» حيث التقينا عدداً من الهنود الذين عملوا في الإمارات سنوات طويلة، ثم عادوا إلى بلدهم ليؤسسوا مشاريع تجارية، أطلقوا عليها أسماء بعض مدن الإمارات، من باب الامتنان والحنين إلى الأماكن التي عاشوا فيها، حيث تكونت لديهم ذاكرة جميلة عنها.

وفي مدينة «كاليكوت» زرنا مصنعاً للسفن الخشبية التقليدية القديمة، التي كان يتم استخدامها في الماضي للغوص والرحلات التجارية في منطقة الخليج، حيث كان العمل يجري في بناء إحدى السفن، لكن صاحب المصنع الوحيد المتبقي حتى الآن قال إنها ربما تكون السفينة الأخيرة التي يتم تصنيعها هنا بعد أن توقف طلب عرب الخليج لها.

«حياة الماعز» ليس الفيلم الأول، ولن يكون الأخير، لتشويه صورة المجتمعات الخليجية التي تسعى إلى البناء والتعمير وتوفير فرص العمل للبشر من كل البلدان، في وقت يسعى غيرها إلى نشر العنف والخراب في المنطقة وإعادتها قروناً إلى الوراء، وهو من الناحية الفنية الإخراجية فيلم فقير لا يرقى إلى مستوى الرواج الذي حققه حتى الآن، فيه تطويل ممل، وخصوصاً في مشاهد رحلة هروب العاملين الهنديين برفقة الإفريقي، والضجة المثارة حوله لا تعني أنه ناجح فنياً، وما يحاول البعض أن يروج له مرفوض، فحتى لو قيل إن الرواية والفيلم قائمان على قصة حقيقية، فإنه لا يجوز أن تعمم حادثة فردية على شعب كامل ودولة كبيرة بحجم المملكة العربية السعودية، وهناك روايات تقول إن العامل قد قتل كفيله، الذي أظهره الفيلم متجرداً من الإنسانية، وأن أبناء الكفيل عفوا عنه وأحسنوا إليه قبل أن يعود إلى بلده.

كما تقول الروايات إن صاحب الشخصية الرئيسة في الرواية والفيلم عاد ليعمل في إحدى دول الخليج، بينما يعمل ابنه في دولة خليجية أخرى، فلماذا عاد هو وابنه للعمل في دول الخليج إذا كانت الحياة في هذه الدول جحيماً لا يطاق؟

دعوا الماعز وشأنها.. لا تزجوا بها في حملاتكم لتشويه صورة الخليج وأهله.. فحتى الماعز تفهم حقيقة ما تسعون إليه وترفض أساليبكم الرخيصة هذه.