أعلنت وزارة التربية عن إحالة دفعة جديدة من أصحاب الشهادات المزورة إلى النيابة العامة. ويبدو أن عدد العاملين في الجهاز الحكومي، والخاص طبعاً، من حملة الشهادات المزورة ليس بالقليل. ولكن هناك فئة أخرى، وهم حملة شهادة مدققي الحسابات، الذين يتطلب الأمر النظر في صحة أو حقيقة شهاداتهم، بسبب الخطورة القصوى لما يقومون به من أعمال، تمس صميم مصداقية دفاتر أية شركة، بصرف النظر عن حجمها!

بدأت علاقتي بمدققي الحسابات قبل 60 عاماً، عندما طلب مني رئيس القسم في البنك، الذي كنت أعمل به، التوقف عن استخدام الحبر الأخضر في التوقيع، لأن مدققي حسابات البنك القانونيين، Chartered Accountants، يستخدمون اللون نفسه في وضع ملاحظاتهم على سجلات البنك عند التدقيق. ثم جاء الاحتكاك الثاني بعد 15 عاماً، عندما أسست شركة مقاولات، مع آخرين، حيث تقدم لي ممثل مدقق حسابات الشركة، وهو معروف، ولا حاجة لذكر اسمه، وبلغني سلامه، وأنه يعرض علي إصدار ميزانية الشركة السنوية بأرقام مضخمة، وهذا سيساعدنا في الحصول على تسهيلات مصرفية أكبر، وفي رفع تصنيفنا لدى لجنة المناقصات المركزية، مقابل دفع مبلغ 1000 دينار رسوماً سنوية، بدلاً من 250 ديناراً! رُفض العرض طبعاً، وقمت تالياً ببيع الشركة لجهة أخرى.

* * *

يتطلب العمل كمحاسب قانوني الحصول على مؤهل CA، الذي يتطلب اجتياز اختبارات عالمية وتدريباً مهنياً صارماً، بعد شهادة البكالوريوس، والقيام بعدها باعتماد الشهادة من مؤسسة عالمية معتمدة معترف بها، وعددها كان حينها قليلاً في العالم، وتعمل ضمن ضوابط دقيقة، مثل معهد المحاسبين القانونيين في إنكلترا وويلز، وجمعية المحاسبين القانونيين المعتمدين، ومعهد المحاسبين القانونيين في اسكتلندا وما يماثله في أيرلندا والهند، وأستراليا.

للحصول على اعتماد أي من الجهات أعلاه يتطلب الأمر التسجيل في برنامج CA كطالب، وإكمال الدورات المطلوبة، التي تحتوي على سلسلة من الاختبارات، مقسمة إلى مستويات مختلفة، تغطي موضوعات، مثل المحاسبة المالية والتدقيق والضرائب وقانون الأعمال، وتختلف المدة الزمنية لإكمال البرنامج من 3 إلى 5 سنوات، ثم بعدها يتطلب الأمر اكتساب الخبرة العملية، التي قد تستمر لثلاث سنوات، تقريباً، ويتم ذلك عادةً من خلال عقد تدريب مع صاحب عمل أو شركة معتمدة، وبإشراف محاسب قانوني يساعد الطالب ويرشده ويراقبه خلال فترة التدريب، وبعدها مطلوب اجتياز الامتحانات، والتي عادة ما تكون على 3 مستويات، أساسية، متوسطة، ونهائية، وتتضمن اختبار القدرة، ثم اجتياز المرحلة الأكثر صعوبة، مع تضمين ذلك التدريب أخلاقيات المهنة، ومن ثم التقدم لطلب العضوية!

ليس من السهل الحصول على لقب «محاسب قانوني»، فهو عملية صعبة ومعقدة تتطلب التفاني والدراسة الدقيقة والخبرة العملية، والالتزام بالتعلم المستمر، لكنها في النهاية مجزية وتمهد الطريق لنيل فرص وظيفية متنوعة في المحاسبة والمالية وقيادة الأعمال!

في بداية النهضة في الكويت، وزيادة أعداد الشركات، والمساهمة بالذات، وزيادة الحاجة إلى مدققين قانونيين، وكانوا حينها في أغلبيتهم من البريطانيين، والهنود، وبعض السودانيين، المؤهلين والملتزمين بدرجة عالية، وحيث إن العمل كان يتطلب الحصول على زمالة معهد دولي معتمد، وللتغلب على هذه المعضلة، تفتق ذهن «أخينا» المحاسب، فقام بتأسيس معهد لتخريج أو تفريخ «المدققين القانونيين»، وجاء طوفان مدققي الحسابات بعدها، مع التساهل الذي أبدته المعاهد الجديدة في ما يتعلق بالاشتراطات، وتقليل فترتي التعليم والتدريب!

لذا، مطلوب من الجهات المعنية في وزارة التجارة تفعيل أدواتها، ومراجعة شهادات مدققي الحسابات، فلا شك أن بينهم فئة لا تستحق اللقب، والقليل الضار أكثر خطورة من الكثير الجيد!


أحمد الصراف