سميح صعب

على رغم أنه قرار غير ملزم، يبقى أن تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة الأربعاء بأغلبية 124 دولة من أصل 193 على قرار يدعو إسرائيل إلى إنهاء احتلالها للأراضي الفلسطينية في غضون 12 شهراً، يحتل قيمة معنوية ورمزية، في وقت توشك الحرب الإسرائيلية المدمّرة على قطاع غزة أن تستكمل عامها الأول، مع ارتفاع أعداد الضحايا المدنيين إلى نحو 42 ألفاً ونحو 90 ألف جريح، وتدمير 70% من المباني.

القرار الأممي بمثابة تأكيد لحقّ الفلسطينيين في تقرير المصير، وحقّهم في إقامة دولتهم على خط الرابع من حزيران (يونيو) 1967. ويظهر أيضاً أن الولايات المتحدة التي تؤيّد "حلّ الدولتين" لفظياً، لا تفعل شيئاً لتجسيد هذا الحل على أرض الواقع، وهي صوّتت ضدّ قرار الجمعية العامة، إلى جانب 13 دولة أخرى، ما يظهر العزلة الدولية المتزايدة لأميركا بسبب إصرارها على تقديم الحماية الدبلوماسية لإسرائيل، إلى جانب سخاء بلا حدود من الدعم العسكري.

ويستند القرار الجديد إلى رأي استشاري أصدرته محكمة العدل الدولية في تموز (يوليو)، بطلب من الجمعية العامة، أكّدت فيه أن الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية منذ عام 1967 "غير قانوني"، وأن "إسرائيل ملزمة بإنهائه... في أسرع وقت ممكن".

ويعمّق القرار من عزلة إسرائيل قبل أيام من توافد زعماء العالم على نيويورك للمشاركة في دورة الانعقاد السنوية للجمعية العامة. ومن المقرر أن يلقي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو كلمة أمام الجمعية في 26 أيلول (سبتمير)، أي في اليوم نفسه الذي يلقي فيه الرئيس الفلسطيني محمود عباس كلمته.

ويُضاف هذا الانتصار المعنوي للفلسطينيين في الأمم المتحدة إلى قرار اتخذته الجمعية العامة في أيار (مايو) الماضي، بأغلبية 143 صوتاً مؤيّداً مقابل معارضة 9 أصوات، وامتناع 25 عن التصويت، يؤكّد حقهم في عضوية كاملة بالأمم المتحدة، الأمر الذي تعرقله الولايات المتحدة.

وعقب ذلك القرار، سارعت إسبانيا وإيرلندا وسلوفينيا والنروج إلى الاعتراف بدولة فلسطين. وفي وقت سابق من هذا الأسبوع، تسلّم رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز أوراق اعتماد أول سفير فلسطيني في مدريد.

وحضّ القرار الأممي الجديد، الدول الأعضاء على اتخاذ تدابير من أجل وقف تصدير أسلحة لإسرائيل، في حال كان هناك أسباب "معقولة" للاعتقاد بأنها قد تُستخدم في الأراضي الفلسطينية، وفرض عقوبات على أشخاص يساهمون في "الإبقاء على وجود إسرائيل غير القانوني" في الأراضي المحتلة.

وتنبع أهمية القرار أيضاً من كونه أول مشروع قرار تتقدّم به السلطة الفلسطينية رسمياً منذ حصولها هذا الشهر على حقوق وامتيازات إضافية، منها مقعد بين أعضاء الأمم المتحدة في الجمعية العامة، والحق في اقتراح مشاريع قرارات.

وبعد ساعات من صدور القرار، أعلنت وزارة الاقتصاد الألمانية أنها تبلّغت تعليق تراخيص بيع السلاح لإسرائيل. وكانت ألمانيا قد أقرّت في العام الماضي صادرات أسلحة إلى إسرائيل بقيمة 326,5 مليون يورو (363,5 مليون دولار)، منها عتاد عسكري وأسلحة تستخدم في الحروب، بزيادة 10 أضعاف عن عام 2022، وفق بيانات وزارة الاقتصاد التي توافق على تراخيص التصدير.

وأتى القرار الألماني عقب أيام من إعلان بريطانيا تعليق 30 رخصة بيع سلاح لإسرائيل، بسبب انتهاكها القانون الدولي الإنساني في الأراضي الفلسطينية.

وتقترب المحكمة الجنائية الدولية من إصدار مذكرات توقيف بحقّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت، بتهمة تجويع سكان قطاع غزة.

وفي الولايات المتحدة، وحده السيناتور بيرني ساندرز يملك جرأة الدعوة إلى فرض حظر على مبيعات الأسلحة لإسرائيل، وهو سيتقدّم بمشاريع قوانين إلى مجلس الشيوخ في هذا الصدد.