نجيب يماني

أكمل التّاريخ دورة عامٍ جديد في حساب أيّامه، ووقفنا مليًّا لنتباهى بيوم توحيدك يا وطني الأغر.

وقف الخلق جميعًا يجيلون النّظر بإمعان وتروٍّ بين ما كان قبلك من تشرذم وانفلات، وما كان في ملحمتك من بطولات وتضحيات، وما ترتّب بعدك من عطاءات وإنجازات وما نتوقعه في مستقبلك مع «الرؤية» من وعد وبشارات وإشراقات استذكرناها بفخر واعتزاز سارت بنا إلى مصاف الدول المتقدمة وسخرت لنا كل سبل الراحة والأمان لنعيش جودة الحياة وننعم بالخير والاستقرار والصحة والتعليم والرفاهية بكل وسطية واعتدال.

وقفنا نشاهد بزهو إشراق شمسك يا وطني، في أفق يتراحب وعدًا، ويمور نشاطًا، و«يتبستن» في بيدر الأيّام حدائق ذات بهجة مثمرات.

وقفنا نتأمّل ونسترجع وفاء لمن كتبوا بدمائهم سطور هذه الملحمة الإنسانية الخالدة، التي يعزّ مثيلاها في التّاريخ الإنسانيّ الحديث،

أسبوع مضى على احتفالنا العظيم باليوم الوطني لتوحيد المملكة العربية السعودية على يد المؤسس (رحمه الله).

دارت بنا دورة الأيّام ونحن نتقلّب في نعيم وطن أبِي، وشامخ وعزيز، لنقف في لحظة من لحظات التاريخ النادرة، بل من لحظات الإنسانية الفارقة، مستعيدين الذكرى السنوية لليوم الوطني الرابع والتسعين.

ترجع بنا الذاكرة إلى ميقات هذا اليوم من العام 1932م، يوم أن وقف «المؤسّس» طيّب الله ثراه معلنًا توحيد هذه البلاد الطيبة المباركة تحت راية «لا إله إلا الله، محمد رسول الله»، وإطلاق اسم المملكة العربية السعودية عليها، بعد رحلة من الجهاد والمجاهدة، والصبر والكفاح المضني لأكثر من 32 عامًا، مسطرًا مع رجاله الميامين أروع ملحمة في التاريخ الإنساني الحديث، ليبنوا لنا مملكة موطدة الأركان، شاهقة البنيان، محصنة بالعدل، والبذل والعطاء على مر السنوات والحقب، في عطاء ديباجته نكران الذات، ورفعة الوطن، ورفاهية المواطن، صونًا لكرامته، وضمانًا لعيشه الكريم.

وها نحن اليوم في عهد سلمان الحزم والعزم، وولي عهده الأمين عرّاب «الرؤية» ومهندسها، التي نقلت بلادنا إلى آفاق لم تكن في الحسبان، وبراحات كنا نحسبها مستحيلًا غير قابل للإدراك والتحقيق، لتجعل منها «الرؤية» واقعًا ملموسًا، ومنجزات شاخصة، وكأن القيادة أدركت ذلك فجعلت من شعار «نحلم ونحقق» أيقونة لهذا اليوم الأغر، مكسبة إياه معاني جديدة، يختلط فيها الفرح بالماضي والتغني بالأماجد والافتخار بالرعيل الأول، مع التوثّب بالجديد، والبذل من أجل وطن لا يعرف مستحيلًا، وعزم لا يطاله، فلئن كانت ملحمة التوحيد الخالدة، هي المرتكز التي قامت عليه الدولة، ومنطلق المسيرة نحو بناء دولة عصرية قائمة على أسس قوية وصلبة، بوّأت المملكة مكان الصدارة في الكثير من المجالات، فإننا اليوم أمام انعطافة مهمة في مفهوم الوطنية مع رؤية المملكة 2030، تذهب بنا باتجاه البناء والتطوّر والنماء، بأقصى احتمالات لتفجير الطاقات، وشحذ الهمم، واستغلال الموارد كأحسن ما يكون الاستغلال، للوفاء بمتطلبات التحديات المقبلة في مسيرة التطور والنمو بلا سقوف أو حواجز، وبطموح فوق هام السحاب يعلو، ويتقافز فوق كل مستحيل.

حفاوتنا بهذا الماضي المشرق الوضيء واجبة وضرورية ومهمة، حتى تترسّخ في وعي الأجيال، لتعرف قدر الرجال وحجم التضحيات التي قدمت، على أن يرافق هذا الاحتفال وعي مماثل بدور كل واحد عايش واقعنا بفهم جديد لمعنى الوطنية، في ظل عهد «الرؤية».. فهذا الشعار المرفوع اليوم؛ «نحلم ونحقق»، يضعنا جميعًا أمام مسؤوليات تاريخية، وتحديات جسيمة للوفاء به حق الوفاء، فهو ليس جملة شعرية مموسقة لمجرد التغني في معرض المباهاة التي ليس من ورائها عمل منجز، وفعل ملموس، ولكنه رمز لمرحلة، وعنوان لطموح مشروع، وأحلام مرجوّة التحقيق، والمنتظر أن يساهم فيها الجميع بقدر ما يستطيعون، ولن يكون ذلك ممكنًا إلا بوعي ناضج، وامتلاك للأدوات، وبخاصة المعرفية، بما يخرج الجميع من دوائر التفكير النمطي، والأحلام المتوارثة، إلى آفاق جديدة، بلا تهيّب أو تثبيط للهمم، وهذا يعني أن المستقبل لن ينتظر المتفرجين، والمسيرة لن تصحب العاطلين والمتبطلين، والوطن ينتظر القادرين على العطاء والبذل، في كافة الميادين، فلندرك أن رؤية المملكة التي أبدعتها عبقرية ولي عهدنا الأمين ماضية بنا إلى أفق غير متناهٍ ولا محدود، ولديها القدرة على تحقيق مستهدفاتها حسب ما خُطط لها، بكل جدارة واقتدار.

«نحلم ونحقق» يفتح أمامنا مساحات لا متناهية للتفكير والإبداع، ويشحذ همم الأجيال في تعاقبها للعطاء بلا حدود، واستشعار المسؤولية بلا إبطاء أو تعويق، ويعلّق على رقاب الجميع دينًا واجب السداد لوطن يعطي بلا منٍّ، بما يواكب المرحلة الحالية، والنظرة المستقبلية بكل تحدياتها، وهذا يتطلّب منا وعيًا باصرًا بهذه التحديات والمتغيرات الكبيرة التي يشهدها العالم أجمع، حتى نجعل من هذا الشعار أجندة عمل تتنزّل على أرض الواقع، فبهذا يكون لاحتفالنا باليوم الوطني معنًى مثمرًا، وقيمة مضافة، وتعميقًا حقيقيًا لمفهوم الوطنية العظيمة، وعندها نستحق شرف الوطنية الحقة، ويكون لاحتفالنا معنى جديدًا، وكل عام ووطننا في أمن وأمان تحت ظل قيادته الراشدة.