محمد ناصر العطوان

بدأت مشكلتي عندما لاحظت أنني عندما أدخل لمنصة «شاهد» أو «نتفليكس» تُصيبني الحيرة وأتجوّل بين الأفلام والمسلسلات ثم في نهاية الأمر لا أشاهد أي شيء، وتنتهي الوجبة التي أمامي أثناء عملية «الاختيار» وليس عملية المشاهدة. كنت قبلها بفترة لاحظت أيضاً أنني لا أحب الذهاب للجمعية التعاونية والسير بين الرفوف لاختيار البضائع، كما أني لا أحب تطبيقات المطاعم التي تعرض لي العديد من الوجبات المختلفة والمتنوعة.

ثم اكتشفت أنني لا أحب عملية الاختيار بين خيارات عديدة. فمثلاً إذا عرضت عليّ زوجتي الخروج قائلة «سينما ولا مطعم؟» فسأشعر بارتياح أكبر وحيرة أقل مما إذا قالت لي «نسق لنا طلعة على ذوقك». كذلك، إذا دخلت قائمة للأفلام ووجدت فيها أربعة أفلام، سيكون الاختيار أفضل من وجود عشرة آلاف فيلم على المنصة.

إن كثرة الخيارات، رغم أنها مؤشر للحرية وللرأسمالية وللحياة الوفيرة، إلا أنها تؤدي إلى عدم الرضا والشعور بالندم وصعوبة اتخاذ القرارات. وتجعل من اتخاذ قرار شراء «علبة مربى» عملية ذهنية صعبة تساوي في حرق سُعرات المخ بمقدار اتخاذ قرار السفر والاختيار بين أي الدول هي الأفضل للوجهة المقبلة.

تخيل نفسك طوال اليوم وأنت تتخذ قرارات من بين خيارات كثيرة. تبدأ صباحك بفتح خزانة الملابس، لتجد نفسك أمام 15 قميصاً و10 سراويل بالإضافة لفقرة الدشاديش والأحذية، وتبدأ رحلة الاختيار. هل أرتدي القميص الأزرق أم الأخضر؟ هل يتناسب هذا البنطال مع القميص أم لا؟ بحلول الوقت الذي تنتهي فيه من الاختيار، تكون قد استهلكت نصف طاقتك العقلية، والنصف الآخر في طلب القهوة، بالكريمة أو بدونها، حليب خالي الدسم أم بدسم وربع، حليب اللوز أم حليب الموز، ثم تأتي وجبة الإفطار، وأمامك خيار بين الخبز الأبيض والخبز الأسمر، والجبن العضوي أم الجبن الفرنسي والزبدة المستخلصة من بقرة أم المستخلصة من سنجاب!... بحلول الوقت الذي تنتهي فيه من الاختيار، تجد نفسك قد شبعت من التفكير ولم تتناول شيئاً بعد.

تذهب إلى الجمعية التعاونية، وتجد نفسك أمام صفوف لا تنتهي من المنتجات. هل أختار الشامبو الفاخر أم العادي؟ هل هذا النوع من الشوكولاتة أفضل أم ذاك؟ تشعر أنك بحاجة إلى شهادة دكتوراه في علم الاختيار لتتمكن من الخروج من المتجر بسلام، وتجد نفسك تتمنى لو كانت الخيارات أقل.

ربما الحل يكمُن في تقليل الخيارات. لنقم بإزالة نصف الملابس من الخزانة، وتحديد قائمة طعام محدودة للأسبوع. لنقم بإلغاء اشتراك نتفليكس ونظل على القنوات الأرضية. نعم، قد تكون هذه الحلول ساخرة وغير عملية، لكنها تعبير عن الرغبة في التخلص من عبء الخيارات الزائدة.

في النهاية، قد تكون كثرة الخيارات نعمة، لكنها تأتي مع عبء نفسي كبير. ربما يجب علينا أن نتعلم كيفية تبسيط حياتنا وتقليل الخيارات التي نواجهها يومياً. فالحياة ليست سباقاً لاختيار الأفضل دائماً، بل هي رحلة للاستمتاع بما لدينا. لذا دعونا نتعلم كيف نعيش ببساطة، ونترك عبء القرارات الثقيلة خلفنا... فعلاً، اختيار استهلاكي أقل... عيشة أفضل. وكل ما لم يُذكر فيه اسم الله... أبتر.

moh1alatwan@