ليست خطة إنقاذ العام الدراسي في زمن الحرب وحدها التي تجيب عن تحديات التعليم أمام أزمة قد تكون الأخطر في تاريخ لبنان، بالنظر الى ما يرتبه نزوح أكثر من مليون لبناني من الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية من تداعيات على البنية الاجتماعية اللبنانية. بين النازحين أكثر من 500 ألف تلميذ وطالب، قسم كبير منهم موجود في مراكز الإيواء من مدارس بلغ عددها 550 ومؤسسات عدة تكتظ بالنازحين، فإذا تقرر البدء بتعليم هؤلاء الأولاد وبينهم في الرسمي والخاص، في ظل الواقع المأسوي الذي يعيشونه، فستحدث فوضى عارمة ما لم تُنظم هذه الأعداد التي بدأت تتحول إلى مجتمعات قائمة بذاتها يدّعي بعض الحزبيين حمايتها وتأمين متطلباتها في كل مركز، ويمنعون حتى مديري المدارس أو المكلفين رسمياً من تأدية مهماتهم في حماية التجهيزات والبنى التحتية فيها. المشكلة الكبرى التي تواجه التربية في مباشرة التدريس عن بعد لتلامذة الرسمي والخاص النازحين، هي في كيفية إعادة توزيعهم وترتيب العملية التعليمية مع المعلمين النازحين أيضاً، حتى لو تمكنت الوزارة من جمع الداتا وتحديد أماكن وجود التلامذة، إلى كيفية توزيع أجهزة التابلت أو التعليم عن طريق الهاتف الذكي. المسألة ستأخذ وقتاً طويلاً قبل أن تنتظم العملية، فيكون الخاص الذي فتح أبوابه في المناطق الآمنة أو المدارس التي قررت التعليم عن بعد لاستيفاء الأقساط قد قطعا شوطاً متقدماً في إنجاز المنهاج، وسيحتاج تلامذة الرسمي النازحين وغير النازحين المشغولة مدارسهم وقتاً إضافياً للحاق والتعويض وقد يكون صعباً وربما مستحيلاً الوصول الى إحداث نوع من التوازن في التحصيل العلمي. صحيح أنه لم تكن هناك خيارات أمام التربية إلا الإجازة للمدارس الخاصة التعليم عن بعد أو التعليم الحضوري على مسؤوليتها، إذ إن أكثريتها كانت قد قررت فتح أبوابها حتى لو خالفت قرار وزارة التربية بالتعليق، إلا أنه في كل الحالات تبدو الأمور معقدة إلى أبعد حد بعدما ارتدّت تداعيات الانقسام اللبناني السياسي والطائفي على القطاع التربوي. وها هي مدارس تعلم عن بعد وتلك التي فتحت أبوابها حضورياً تنكث بتعهداتها وترمي الكرة في ملعب الأهل لجهة المسؤوليات، حتى في موضوع الأقساط المدرسية المدولرة، وبعضها لم ينتظر، فبمجرد استئناف الدراسة أرسلت لائحة القسط المطلوب شهرياً أو فصلياً بلا اكتراث للأزمة الراهنة. يتجاوز هذا الوضع النقاش في صلاحيات سلطة الوصاية، فقد بات واضحاً أن صلاحيات التربية محدودة تجاه التعليم الخاص، إلا في نواحٍ محددة وفق ما يفرضه القانون 515 المعطل فعلياً منذ أزمة الانهيار الذي عصف بالبلد في 2019، وهو طوفان غمر المدارس التي بدأت تغرد على حسابها في الأقساط، فكيف في الوضع الحربي الراهن الذي يأخذ البلد كله إلى المجهول، فلا تكترث معه بعض إدارات المدارس لإدراك المخاطر الناجمة عن حالة الحرب وآثارها على الناس والحالة المعيشية والمعاناة الاجتماعية، علماً بأن قسماً من المدارس يستقيل من مسؤولياته تجاه المعلمين وهذا ما ظهر عند تجديد بروتوكول دعم صندوق التعويضات للمعلمين في الخاص. تنظيم أوضاع النازحين في زمن الحرب وإشراف مؤسسات الدولة على متابعة شؤونهم هو المدخل لانتظام عملية التعليم، من دون أن يعني ذلك تجاوز الأزمات بل التكيف معها بالحد الأدنى منعاً للفوضى ولحماية جيل تتقاذفه رياح الحرب المجنونة. Twitter: @ihaidar62
- آخر تحديث :
التعليقات