قبل أيامٍ وصل إلى منصب وزير الداخلية في فرنسا اليميني المحافظ برونو ريتيو، ليجلس إلى جانب رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني ورئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، في مجلس الحرب الأوروبي ضد المهاجرين. وأول نشاطٍ أساسيٍ له كان المشاركة في اجتماع وزراء داخلية دول مجموعة السبع في إيطاليا لمناقشة قضية الهجرة، والذي انتهى بالإعلان عن سلسلة من الإجراءات التي تهدف إلى مواصلة سياسة أكثر تشدداً مع تدفقات الهجرة، تتطابق عملياً مع البرنامج السياسي لليمين المتطرف الأوروبي. ويترجم هذا التشدد في نسف أساس الوحدة الأوروبية التي قامت على حرية تنقل الأفراد، بالعودة إلى مراقبة الحدود البرية بين دول المجموعة. وقد وقعت الدول الأعضاء إعلان نوايا لإنشاء وحدة أبحاث فرنسية إيطالية في مدينة فينتيميليا الايطالية، وهي موقع رئيسي لمرور المهاجرين، ومخصصة لتبادل المعلومات الاستخبارية حول عمليات العبور، على الحدود بين البلدين. وهو ما سيؤدي هذا إلى زيادة خطر الموت بالنسبة الى المهاجرين من خلال إجبارهم على سلوك طرق أكثر خطورة وسرية لتجنب هذه الأشكال الجديدة من المراقبة. وثانياً، إضفاء الطابع الخارجي على الحدود الأوروبية، من خلال مشروع بناء مراكز احتجاز عدة في ألبانيا ودول جنوب المتوسط مثل تونس وليبيا، لمعالجة طلبات اللجوء. وهي الفكرة التي عبر رئيس الوزراء العمالي البريطاني كير ستارمر عن إعجابه بها، ما يوحي بأنها ستكون نموذجاً شائعاً خلال السنوات القادمة. وهذه المراكز التي لا تخضع للقوانين الأوروبية، وتقع خارج ولاية الإتحاد الأوروبي، ربما تتحول إلى مقابر جماعية للمهاجرين، بسبب ظروف الاحتجاز، أو المعاملة غير الإنسانية. وفي العام الماضي وقع الاتحاد الأوروبي اتفاقية جديدة بقيمة 255 مليون يورو مع الرئيس التونسي قيس تشمل تعزيز السياسة الأوروبية المناهضة للمهاجرين، من خلال إضفاء الطابع الخارجي على حدودها. وفي مقابل هذه المساعدة المالية، يعول الاتحاد الأوروبي على تونس لتعزيز دورها كحرس حدود. وللقيام بذلك، منح الاتحاد الأوروبي تونس 105 ملايين يورو لتدريب خفر السواحل وتمويل معدات الضبط والمراقبة. وكما هو الحال مع الاتفاق مع تونس وألبانيا، وقع الاتحاد الأوروبي، اتفاقيات مشابهة مع موريتانيا ومصر وقبل ذلك مع تركيا منذ عام 2016، مقابل أكثر من 11 مليار يورو لمنع مرور ما يقرب من 4 ملايين شخص فروا من الحرب الأهلية في سوريا. وأعلن حزمة بقيمة 60 مليون يورو لدول غرب البلقان، و120 مليون يورو لمصر، و152 مليون يورو للمغرب العربي. والدول المجاورة ليست الوحيدة التي تستفيد من المساعدات المالية. فقد حصلت نيجيريا على 28.4 مليون يورو لضبط تدفقات الهجرة. وتلقت بنغلادش 55 مليون يورو وباكستان 59 مليون يورو لبرامج مختلفة مثل عودة طالبي اللجوء. بل ذهب الاتحاد الأوروبي إلى أبعد من ذلك عام 2017 من خلال التمويل المباشر للميليشيات الليبية لكي تشارك في منع قوارب الهجرة نحو سواحله الجنوبية. هذا النهج، لا يمنع الهجرة تماماً، اذ ينجح المهاجرون في كل مرةٍ في خلق مسارات وطرق جديدة للهرب من واقعهم المأسوي. ولكنه سيجعل من رحلة الهرب أكثر خطورةً وسينتهي بالكثير من المهاجرين إلى الموت من خلال تحويل البحر الأبيض المتوسط إلى مقبرة سحيقةٍ. لكن في مستوى آخر، هو نهج يعزز سطوة الوضع الحالي الكارثي، في الدولة التي ينطلق منها المهاجرون، ويعزز شرعيات الحكومات اليمينية المتطرفة في دول الاستقبال. فنحن اليوم إزاء تحالف واسعٍ بين حكومات الشمال وأنظمة الجنوب لمنع تدفقات الهجرة واللجوء، لا يقوم على معالجة الأسباب الجذرية للهجرة، وهي عدم المساواة والحروب والأنظمة الاستبدادية الفاسدة، ولكن على مقايضة قمع الهجرة بمنافع مالية وسياسية للأنظمة التي تسببت بالهجرة لسكانها، ما يخلق مزيداً من تغذية دوافع الهجرة ومزيداً من خلق المناخات المسمومة.