في عالم يشهد تطوراً كبيراً في وسائل التواصل الاجتماعي التي أصبحت تحتل اليوم حيزاً مهماً في حياتنا اليومية، وصلت في احتلالها إلى اختلاس وقتنا، تسرقه من دون أن نشعر، وتجعل الكثير منا عرضة لإدمانها.
أمام هذا الواقع كان لا بد من التحذير من الاحتلال الأخطر، حيث تمدّدت التيارات السلفية المتطرفة بمساحة كبيرة من الحرية، مُستهدفة عقول الكثير من شبابنا وأطفالنا. وهنا أتحدث عن الدعاة الجدد، هذه الظاهرة الخطِرة التي انتشرت جداً في الآونة الأخيرة، اجتازت التقنية التي تسمح للأهل بتحديد مشاهدات أبنائهم على الإنترنت، حيث إنها لا تشمل هؤلاء الدعاة.. إذ يُعتبر المحتوى الدعوي من المحتويات الثقافية غير المحظورة.. وهنا الخطورة.
دعونا نلقي نظرة موضوعية على هؤلاء الدعاة. لا شك أن بينهم العقلاء المتدينين خريجي الجامعات والمعاهد الإسلامية العربية المعروفة، ولهم الاحترام والتقدير.. ولكن في هذا الفضاء الشاسع اختلط الحابل بالنابل. تطور الدعاة فأصبح خريجو المقاهي والملاهي وحتى مُدّعو التنمية البشرية دعاة دين، وينجحون في جذب أكبر عدد من المشاهدات التي غالباً ما تُترجم إلى دولارات، وكلما كانت الفتوى أو الدعوة مثيرة وغربية كثرت المشاهدات والتعليقات، وضاعت الحقيقة.
وبعيداً عن ذكر الأسماء كي لا نكون في موضع الترويج لهم، هناك من وصل عدد متابعيه إلى ملايين المتابعين، وهو يتباهى بلحية التقوى واختراع دعاء سري يشفي الأمراض ويحلل ويحرم كما يشاء، ومنهم من يدعو إلى التواصل على الخاص من أجل إخراج الجن وحلّ العُقد.. وكله طبعاً بالقرآن. المؤسف زيادة عدد المشاهدين والمتابعين لهؤلاء الدجالين. لكن هذه الفئة رغم خطورتها على صغار النفوس، تبقى أقل أذىً من الفئة الأخطر التي تستهدف الكبار.. نعم هم أنفسهم أئمة المساجد الأوروبية التي كانت تُحرّض على التطرف، وسبّبت الكثير من الكوارث، مثل حرق دور العبادة والكنائس.. هؤلاء اليوم نقلوا منابرهم إلى الإنترنت.. وللأسف يتبعهم ويسمعهم الكثيرون، ومعظمهم متعلمون ومثقفون.. ولكن كيف؟
هنا لا بد أن نذكر أنهم فعلاً خريجو جامعة إسلامية، وتلقوا دروساً في القرآن والشريعة ولكن كيف؟؟
في «الجامعة الإسلامية في تل أبيب».. هذه الجامعة لمن لا يعرف أسست عام 1956 يعني ليست حديثة.. وهي لا تتبع وزارة التعليم، ولا تتبع أي جهة أخرى سوى «الموساد».. ولمن لا يعرف «الموساد» هو الجهة التي تتولى إدارة التجسس وتعدّهم وتدرّبهم وتدعمهم.. وعملها يتركز في اغتيال القيادات ودراسة المجتمعات المحيطة بإسرائيل، ونشر التفرقة وزعزعة أمن البلدان المحيطة بها، لأنها تعتقد أن في ذلك ضماناً لاستمرارها.
هذه الجامعة لا تقبل سوى الطلاب اليهود.. حتى الأساتذة يُختارون من ذوي الخبرة في الفقه والعلم الإسلامي القرآني، وفي تاريخ الخلافات بين المسلمين. كما تُدَرِّس الجامعة الفكر الشيعي والفكر السني، وتبحث في أوجه الاختلاف في الأحاديث النبوية، ويتعلمون استنساخ التيارات المتطرفة والتحريم والتحليل.. والتحذير من كل مُستحدث تحت مَزاعم الحِفاظ على الدين، وتُسخّر لهم كل الإمكانيات المادية والتقنية، ليصبحوا هم الدعاة الأجدر بالثقة المَبنية على شواهد مُحَرفة من كتاب الله أو من السيرة النبوية.. يُهيمنون على الفضاء الإلكتروني سعياً للاستحواذ على العقل العربي، لضمان السيطرة والتوظيف والتحكم. يتعلم الطالب في الجامعة دروساً خاصة عن الثغرات التي يمكن من خلالها زرع بذور التفرقة بين المسلمين. كما يَتبع الجامعة معهد خاص لتعليم اللغة العربية باللهجات المختلفة.
وقد يكون لظهور المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي (أفخاي أدرعي) وإجادته للغة العربية ولبعض الآيات القرآنية دلالة على أن هدف الجامعة الدخول إلى العقل العربي من خلال المعتقد الديني. أما الطلاب بصورة عامة فبعد نجاح الطالب يتم تدريبه وتحضيره وإعطاؤه اسماً عربياً.. وتحديد مكان عمله أو كإمام في أحد المساجد، كما حدث مع أبرز الشيوخ الذين تخرجوا من الجامعة (بنيامين أفرام) الذي أُعطي اسم الشيخ «أبو حفص»، وانتحل صفة إمام في مسجد بليبيا.. ثم انضمّ إلى تنظيم «داعش»، وشكل جماعة من المقاتلين تحت إمرته تسمى (لواء النخبة)، حتى كشفته سلطات ليبيا عام 2017.. هذا ما اكتشف أما ما خفي فهو الأخطر.. فالجامعة تعدّهم لعدة مهام، منهم الإمام، ومنهم الداعية الشاب ذو الصوت التقي.. ومنهم الذباب الإلكتروني..
الداعية مُهم يُجيد ترديد آيات القرآن وأحاديث الرسول، بهدف جذب المتابعين، ثم بعد التيقن من كسب ثقتهم، يبدأ دور الفتاوى التي يراد بها تشتيت العقل، وتفرقة أهل الدين الواحد. كأن تسمع باسم داعية له الكثير من المتابعين يدّعي باطلاً أن الشيعة قالوا.. ويقابله داعية آخر من المذهب الشيعي يدّعي أن السنة قالوا.. هم يتصرفون بذكاء لا يستعملون المَسبات بل يُحرفون الأحداث، ويستشهدون بأحاديث موضوعة، ليكون تأثيرهم أقوى.. وهناك الفئة الأخرى من الطلاب تُوجّه للعمل كذباب السوشيال ميديا.. وهذه الفئة لا تتوانى، بل المفروض أن تستعمل المَسبات والتطاول على الصحابة لتحريض الناس ودفعهم للرد.. وهكذا تدير إسرائيل حرباً ثقافية على صفحات السوشيال ميديا لا تقل أذىً عن الحروب القتالية التي تقودها اليوم.. حرب عقائدية قد تنفجر يوماً لتصبح حرباً قادرة على تغيير خريطة الشرق الأوسط.. كما تتمنى كتبهم.
* كاتبة وباحثة في الدراسات الإعلامية
- آخر تحديث :
التعليقات