علي محمد الحازمي

وفرت المدن الكبرى فرص عمل أكثر وأفضل، ومستويات معيشة أعلى، وتوافراً أسهل للخدمات، ولكن على الرغم من كون تلك المدن مكتظة بالسكان، إلا أن القادمين إليها من المدن الصغيرة والأرياف يشعرون بالعزلة، والافتقار لجو العائلة، فقد ضاع الشعور بالترابط في أزقة المساكن الحضرية والطرق السريعة. تثير هذه الاعتبارات الفضول لدى المرء حول ما إذا كانت المدن قد تطورت للأفضل أو الأسوأ اجتماعياً، وما إذا كانت المدن قد أثرت على وجود البشرية أو طورتها للأفضل.

تتبنى اليوم المجتمعات الغربية مبادرات لإنهاء العزلة المجتمعية بين سكان المدن الكبرى. تتمثل تلك المبادرات في تنظيم حفلات في الأحياء والمعارض والتجمعات المجتمعية لتعزيز الروابط بين السكان، وإنشاء مساحات عامة جذابة تشجع الناس على التجمع والتواصل الاجتماعي، إضافة لذلك تصميم مجمعات سكنية تشمل مساحات مشتركة للتفاعل الاجتماعي. كل ذلك من أجل خلق بيئة أكثر ترابطاً ودعماً في المناطق الحضرية، من خلال تعزيز العلاقات وبناء شبكات مجتمعية.

معالي وزير الثقافة...

اليوم لو تسأل أي عائلة قادمة من خارج الرياض، إلى ماذا تفتقد؟ حتماً سيكون الرد إلى الجو العائلي. تؤكد العديد من الأبحاث أن زيادة العزلة المجتمعية ترتبط ارتباطاً مباشراً بمستويات عالية من الاكتئاب وانخفاض احترام الذات وانخفاض الرضا عن الحياة. ومن هذا المنطلق، أضع بين يديك هذه القضية الملحة التي بدأ الغرب في التنبه لها وإيجاد الحلول الجادة لمجابهتها. فكيف بنا! ونحن المجتمع السعودي الخليجي العربي الإسلامي الذي يجب أن يغلب عليه طابع الترابط، لذلك نحن بحاجة ماسة إلى غرف معيشة مجتمعية في أحياء المدن الكبرى.

يكمن الحل معالي الوزير في وجوب الاعتراف بقيمة المؤسسات المحلية التي تستجيب لاحتياجات المجتمع المحلي. واحدة من تلك المؤسسات هو تبني الجهات الحكومية ورجال الأعمال إنشاء مكتبات في الأحياء وخاصة الكبيرة. يجب أن يراعى في تصميمها أن تكون ذات مساحات متعددة الاستخدامات كمناطق مخصصة للدراسة، والاجتماعات، والفعاليات الثقافية، علاوة على ذلك، احتواءها على نوافذ كبيرة لتوفير إضاءة طبيعية لتعزيز الشعور بالراحة. حتماً، ستلعب هذه المكتبات دوراً كبيراً في تقليل الفجوات الاجتماعية وتعزيز التواصل بين السكان، لتكون مرآة للمجتمع، تعكس احتياجاته وتطلعاته.

واحد من الأهداف المكتوبة في صفحة هيئة المكتبات التابعة لوزارة الثقافة «تعزيز المشاركة المجتمعية». وهذا اعتراف ضمني بأهمية رأس المال الاجتماعي، الذي يساعد في بناء جسور الدعم في المجتمع ويعزز الشمولية. لم تعد وظيفة المكتبات رافداً ثقافياً فقط، بل أصبحت مناطق مريحة للاسترخاء والتواصل الاجتماعي، ذات زوايا تأملية هادئة، ومقاعد بجوار نوافذها الداخلية. توفر المكتبات الحديثة بمفهومها الشمولي مكانا للناس للالتقاء وتمضية الوقت، بالإضافة إلى خدمات المعلومات الأساسية، مثلها مثل الساحات العامة والمقاهي في الشوارع. ولا بد من التأكيد على أن المكتبات العامة بمفهومها الحديث توفر بيئة بديلة للأطفال للقيام بواجباتهم المدرسية والترفيه والتفاعل الاجتماعي.