بدأ الاستثمار في الصحة بشكله النظامي في بلادنا منذ وقت مبكر جداً ولكنها كانت من جانب واحد .. حيث كانت الحكومة هي المبادر والمقدم الوحيد للخدمة استشعاراً بمسؤوليتها تجاه مواطنيها ووعياً بأهمية التحديث ومواكبة ما توصل له العلم في إحدى أهم الضرورات وهي حفظ النفس والصحة، وكانت إحدى بواكير الخدمات الصحية الكبرى التي قدمتها الدولة السعودية الحديثة بدأ بعد اكتمال توحيد السعودية عبر إنشاء مستشفى الشميسي أو المركزي في الرياض وبحجم وتجهيز ومستوى غير معهودين، وأقيم مثله مستشفيات حكومية في مناطق أخرى ولم يكن الاستثمار بهدف الربح إنما لعلاج المواطنين مجاناً..
ودخل القطاع الخاص على استحياء فتم إنشاء مستشفيات أهلية متواضعة في الرياض وجدة إضافة إلى مستشفى أرامكو في المنطقة الشرقية.. وأمام قوة المستشفيات الحكومية اضطرت المستشفيات الأهلية إلى الانسحاب..
وظل القطاع الصحي معتمداً على الاستثمار الحكومي ودخلت وزارات الدفاع والداخلية والحرس الوطني وبعض الجامعات في تقديم الخدمات الطبية مجاناً عبر مستشفيات خصصت لمنسوبيها وأسرهم وفي مرحلة لاحقة ومع زيادة عدد السكان والضغط الكبير على المستشفيات الحكومية دخل القطاع الخاص مرة أخرى وبقوة وكان التكامل بين الخدمات الصحية الحكومية والخدمات التي تقدمها مستشفيات القطاع الخاص هو الشعار الذي لا زال قائماً، خاصة وأن بعض المستشفيات الحكومية مثل مستشفى الملك فيصل التخصصي تعد من المستشفيات المصنفة عالمياً في رأس قائمة أهم بيوت الخبرة العالمية علاجياً وفي مجال البحث العلمي في مختلف المجالات الطبية.
وبعد هذه المقدمة التي تؤكد اهتمام السعودية بتطوير القطاع الصحي في الماضي والتأكيد على استمرار هذا الحرص وتطوره الذي تبرهن عليه مستهدفات رؤية 2030 وبرامجها التي تسعى إلى الوصول إلى مجتمع حيوي انطلقت من ملتقى الصحة العالمي في الرياض المنعقد تحت شعار "استثمر في الصحة" ورعت وزارة الصحة السعودية هذا الملتقى بدعم من برنامج تحول القطاع الصحي.. وفي كلمة الافتتاح لوزير الصحة فهد الجلاجل أشار إلى دور التحول الصحي قائلاً نريد أن تكون السعودية مركزاً لمواجهة التحديات العالمية الكبرى الحالية والمستقبلية من خلال نهج حكومي واحد تحت رؤية 2030 عملاً بمبدأ الصحة في كل السياسات وذلك عبر تطوير تنظيمات تدعم الاستثمار في الاختراع والابتكار وبناء نظام صحي يعتمد الحلول الرقمية والذكاء الاصطناعي وتطوير القوى العاملة الصحية المحلية وجذب أفضل المواهب من جميع أنحاء العالم ما يدفعنا إلى التحول الصحي بخطوات عملية وملموسة..
وفي اليوم الأول من الملتقى تم توقيع عقود تصنيع أدوية وإنشاء مستشفيات ومراكز للرعاية الأولية وغيرها بقيمة تتجاوز 50 مليار ريال.. وشهد ملتقى الصحة العالمي توقيع اتفاقية نهائية لتوطين بعض بنود الأنسولين وتأتي هذه الاتفاقية بالشراكة مع الشركة الوطنية للشراء الموحد للأدوية والأجهزة والمستلزمات الطبية (نوبكو) و(شركة سدير الطبية) وشركتي (سانوفي الفرنسية) و(نوفو نورديسك الدنماركية) وهذه الاتفاقيات تعكس الجهود السعودية في تعزيز قدراتها الإنتاجية والتزاماتها بخلق بيئة استثمارية جاذبة تناسب مكانتها كمركز إقليمي للصناعات الدوائية بما يتوافق مع مستهدفاتها.
وأخيراً: ما أجمل أن تتعاون جهات حكومية قوية مثل وزارة الصحة و الاستثمار و الصناعة في تحقيق الأمن الدوائي والصحي ، كذلك وزارة الموارد البشرية التي من جانبها أهّلت الكوادر الصحية السعودية وتمكنت من زيادة أعداد العاملين منهم في القطاع الصحي والخاص. والمؤمل أن يقوم القطاع الخاص بالاستثمار في مستشفيات متطورة وذات معايير جودة عالية خاصة مع توجه الدولة إلى تبني التأمين الطبي للمواطنين وازدياد أعداد الزائرين والسياح.
ولعل جذب الاستثمارات الخارجية لدعم القطاع الصحي من أهم الركائز لنقل المعرفة ورفع مستوى المعايير ما يبشر بتعزيز الخدمات الصحية للمواطن والمقيم والزائر في بلاد لا تفرق في تقديم الخدمات الصحية بين أي من هذه الفئات وقد ظهر ذلك جلياً عندما تم التعامل مع أزمة كورونا التي نالت السعودية أفضل المراكز في كيفية إدارة الأزمة حسب الشهادات التي أصدرتها مراكز عالمية متخصصة.
- آخر تحديث :
التعليقات