محمد الرميحي

مع إعلان وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل، ووقف حمام الدم الذي راح ضحيته حوالي أربعة آلاف لبناني، بعضهم لاتزال جثثهم تحت الركام، مع المحو شبه الكامل لعدد من القرى في الجنوب، وعدد ضخم من الأبنية في الأحياء اللبنانية في العاصمة، انتهت ما عرفت بمعركة «مساندة غزة»، وكان ذلك مقدمة لتقليص (أهم ذراع لما عرف بمحور المقاومة)، إلا أن جماعة الحوثي في شمال اليمن، الذراع الأخرى، قرأت النتائج كما تهوى خارج سياق الواقع، فعادت إلى شعار رفعته منذ فترة (الفتح الموعود، والجهاد المقدس)، وهي سردية غارقة في شعارات براقة، وكثيراً ما رددت على مسامع الجمهور العربي.

وكما هو متوقع اعتبرت مجموعة الحوثي أن (حزب الله قد انتصر) فزعيم الجماعة عبدالملك الحوثي قال في كلمة له بعد وقف إطلاق النار (إنه انتصار تاريخي عظيم ومهم جداً على العدو الإسرائيلي، ليضاف هذا الانتصار إلى الانتصارات الكبرى والتاريخية). ذاك الخطاب هو عنوان واضح للقراءة الخاطئة للأحداث، ولما يدور على ساحة الشرق الأوسط قاطبة من تطورات.

يضيف المتحدث الرسمي للحوثي أن العمليات العسكرية في البحر الأحمر مستمرة ضد السفن الإسرائيلية أو المرتبطة بإسرائيل، أو الشركات المتعاونة معها، كما استهداف أي قطعة عسكرية بريطانية أو أمريكية.

ومن الجدير بالذكر أن الحوثي قام منذ 19 فبراير 2023 وحتى يوليو 2024 باستهداف سفن حربية أو تجارية بلغ عددها 166 سفينة، بعضها أصيب مباشرة والبعض الآخر جزئياً، وقد كلفت تلك العمليات الاقتصاد المصري ما يقارب 6 مليارات دولار من دخل قناة السويس ومليارات أخرى للاقتصاد العالمي.

يبدو أن جماعة الحوثي بهذا التصريح، والتهديد بالعمل الذي يشبه القرصنة في البحر الأحمر ومضيق باب المندب وخليج عدن وبحر العرب، ترشح نفسها بأن تصعد في سلم أولويات الاستهداف من التحالف الدولي ضد الإرهاب، إن قامت بالفعل من جديد بما تهدد به، وقد يكون ذلك التهديد للاستهلاك المحلي، والذي يطرب المريدين من الأنصار، وقد تندفع بتهور من جانب آخر باستئناف القرصنة من جديد.

غاب عن الحوثي قراءة التطورات في المنطقة ككل، فقد غاب عنه معرفة أن الشخص الذي قام بهندسة اتفاق لبنان مع إسرائيل هو (جندي سابق في الجيش الإسرائيلي) وأمريكي أيضاً، كما أن رئيس جهاز لجنة المراقبة بين إسرائيل ولبنان، هو جنرال أمريكي، بل يجري الحديث أن يكون رئيس اللجنة المشرفة على مرحلة الانتقال في غزة أيضاً (جنرال أمريكي)! فشعار (الموت لأمريكا) الذي يرفعه الحوثي في شوارع صنعاء، حدث عكسه، وهو مغيب.

القضية برمتها محزنة، فمعظم اليمنيين هم تحت خط الفقر، ويتراجع الاقتصاد اليمني بسبب استيلاء الحوثي على جزء من اليمن، وتنتشر أكثر الأمية والأمراض، ويسود القمع ويضطرب الأمن الإقليمي بل والدولي.

هذه القراءة العمياء لما يحدث، ومع الاضطراب الكبير الحاصل في سوريا، ما زال الحوثي يتحدث عن الانتصار، والأكثر سوءاً أنه يصدق نفسه، أما الأعظم سواداً أن هناك من يصدق تلك الشعارات الجوفاء.

من المؤكد أن أمن مضيق باب المندب وبحر العرب مهم للتجارة الدولية، لذلك فإن القوى الدولية لن تردد في مهاجمة الجماعة الحوثية وفي العمق، ولن يتحقق للحوثي كما كان يعتقد قبل أشهر أنه لاعب إقليمي يعتد به، فالعين الآن على اليمن، وتصفية هذا الملف من أجل السلم في المنطقة.