إذ انفتح المشهد القيامي في سوريا على كل هذه الحقائق والوقائع، تبين للناس مدى غياب العمل السياسي في دول النظام العربي، وكم اعتدنا على الحياة فيه، بحيث شعر البعض بالخوف من المجهول، الذي يعقب زوال الحكم القائم على ركنين: أشباح من الماضي، وأشباح من الحاضر.

لا وجود حتى لمحاولة إرضاء للناس، سوى استفتاء مهين لذكائها وكرامتها. ولا محاولة حتى بالتظاهر لمشروع إنمائي لا وجود له، ولا صحافة إلا خشونة المخابرات.

لن يكون من السهل على سوريا تلمّس العودة إلى حياة سياسية عادية. حياة الحكم فيها للأهل وأبناء البلد وأشياء بسيطة مثل المجالس البلدية، والشرطة المدنية، والمدارس التي تعلم طلابها مناهج العلم، وليس السجود لذكر اسم السيد الرئيس.

الدرب شاق أمام مسيرة العودة. نسيت الناس أشياء بديهية مثل الحقوق والقضاء. صارت أمم بأكملها من دون غد، أو جدول أعمال. تدهور كل شيء مما تعهده الأمم من نمو ومشاريع واقتصاد.

لا شبه بباقي الأمم. الشبه الوحيد في النهايات. شاحنات تنقل ما لم ينقل بعد من البنك المركزي. مشهد واحد في دمشق وبغداد وليبيا. وحكايات لا نهاية لها عن فساد بلا حدود، وسيدات بلا شبع، من أموال الناس وأرزاقها ومقتنياتها.

أيقظت سوريا المشهد العربي برمته. نحو قرن من اللغو لتغطية العبث بحياة الشعوب. طريق إلى فلسطين تمر بكل مكان، ولا تصل إلى مكان. وطريق إلى القدس تنتهي بمنظر نتنياهو يتفقد أعلى قمم جبل الشيخ.

ومن يريد أن يعرف ما هو «الشرق الأوسط الجديد»، عليه أن يسأل وزير دفاع إسرائيل. أو أن ينتظر عودة دونالد ترمب إلى مكتبه في البيت الأبيض. نحن لا نعرف شيئاً من هذا، ولنا مهام أخرى، إحصاء الغارات... والنزهة بين الردم.