قبل أربعين عاما تقريبا، همس أحد نواب «الإخوان»، في أذن وزير الإعلام، طالبا منه منع إقامة الحفلات في الفنادق، ومنع عزف البيانو في صالاتها. أصبحت الفنادق بعدها مجبرة على الحصول على موافقة وزارة الإعلام الخطية على كل حفلة. كما أضيف للأمر قرار «قراقوشي» يجبر أصحاب الفنادق على طلب موافقة «الإعلام» حتى لعزف بيانو في البهو لمدة ساعة في اليوم. كانت «الإعلام» تستجيب للطلب، بشرط أن يكون التصريح لشهر فقط. كان الأمر عاديا في الأشهر الأولى، لكن ما أن حل شهر ديسمبر من السنة الأولى لتطبيق القرار، حتى جاءت الموافقة ملغومة، حيث صدرت اعتبارا من أول ديسمبر وإلى يوم 23 ديسمبر، أي قبل الكريسماس، وليستمر المنع حتى الأول من شهر يناير، السنة التالية، وغالبا لحرمان البشر من مجرد سماع البيانو خلال أعياد الكريسماس ورأس السنة، في تصرف يدل على «نحاسة» واضحة، إضافة لغير ذلك من مضايقات مفتشي الإعلام، الذين كانوا يمنعون حتى تصفيق رواد مطعم لعازف بيانو أو كمان، تحت التهديد بالإغلاق.

جمعت الصدفة الأخ فهد أبو شعر، المدير الكفء لأحد فنادق الكويت المميزة، بالنائب الأول، وزير الداخلية والدفاع، فاشتكى للنائب الأول معاناة الفنادق، فتقرر عقد اجتماع يضمهم ومديري بقية الفنادق، وتم ذلك بالفعل أول من أمس، حيث تقدموا له بالشكر على رغبته الصادقة في حل المشاكل التي تواجه قطاع الضيافة والسياحة، وكيف أن عمل الفنادق هو مقياس للحركة الاقتصادية، وما تشكله السياحة من مصدر مالي مهم للدول، فلو نظرنا مثلا لعدد الفنادق الموجودة في الكويت، لوجدنا أنها قليلة جدا، مقارنة بعددها الذي يبلغ المئات في دول الجوار، ومع قلة عددها فإن نسبة إشغالها هي الأقل خليجيا، وكيف لاحظ الجميع، أخيرا، كيف أثرت تسهيلات «الداخلية» في امتلاء كل غرف الفنادق، في ظاهرة لم تعرفها منذ سنوات طويلة، وكيف أثّر الانفتاح، المصاحب لدورة الخليج، في ازدهار مبيعات مئات المحال والإقبال على المطاعم، وكل ذلك بفضل التعليمات العليا بضرورة تسهيل إصدار التأشيرات، وبالتالي لماذا تقتصر تسهيلات «الداخلية» على أيام الدورة ولا تستمر لما بعدها، طالما أنها بهذه الأهمية للدولة واقتصادها وانفتاحها؟ كما شددوا على ضرورة إلغاء الحصول على الموافقات الكتابية المسبقة، خاصة فيما يتعلق بإقامة الحفلات الخاصة، كالزواج، واحتفالات الشركات، وإحضار الفرق الموسيقية في المطاعم، التي تستنزف الكثير من جهود الفنادق في استخراجها، مع قبولهم على معاقبة أية جهة تخل بالتعليمات أو لا تلتزم بالآداب العامة.

جاء تجاوب النائب الأول كما تمنى الجميع، حيث طلب من ممثلي الإدارات الحكومية المعنية، السماح بإقامة حفلات رأس السنة وغيرها، وتسهيل وتسريع تأشيرات دخول البلاد، ووعد بالتواصل مع وزير الإعلام للطلب منه التوقف عن ارسال مراقبين، بالذات في ليلة رأس السنة، وشدد على أن كل فندق مسؤول عن نفسه ويتحمل نتيجة عمله، وأن دور الحكومة لا يمكن منع الفرح، وحرمان الناس من الاستمتاع بأوقاتهم.

لقد تعبنا من تقطيب جباهنا زعلا وغضبا من كل هذا التشدد، الذي غطى الجزء الأكبر من حياتنا، ولأكثر من نصف قرن، وجاء وقت الانفتاح، ووقت نسف كل القرارات السابقة، غير المنطقية، التي عفا عليها الزمن.

قد لا يتفق الكثيرون مع بعض قرارات النائب الأول، الأخيرة، لكن من الضروري الاعتراف بأنه رجل المرحلة، وصاحب شخصية قوية وصاحب قرار، ويسعى لتغيير الكثير من الأمور التي تعبنا ونحن نطالب يتغييرها، ولم يستجب أحد، طوال أكثر من ثلاثين عاما إلا للقليل منها!

شكرا لـ«فهد أبو شعر»، الذي أثار الموضوع، وشكرا لمعالي النائب الأول لتفهمه وسريع استجابته للمصلحة العامة، التي نسيها غيره، خوفاً من قوى الظلام.


أحمد الصراف