جمال بن حويرب
الشعر لسيدي صاحب السموّ الشيخ محمّد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، بستان مثمر يقطف منه ما يشاء وفي أي غرض من أغراضه يحبّ، بل يغرف من محيطه؛ فصيحه وشعبيّه متى يشاء، فقد شاهدته يقرضه وهو ممتط حصانه السبوح، أو في سفراته في كبد السماء متنقلاً في أرض الله لإسعاد شعبه وبناء حضارته، أو في وسط البحر مبحراً بأحاسيسه ومشاعره نحو أرض الإبداع التي لم تمخر عباب بحره سفينة غير سفينته، فهو كما قلت فيه:
يكفي القريضَ وأهلهُ أنْ يظفروا بحفاوةٍ من سيِّدِ الأمراءِ
بلْ سيّدِ الشعرِ البليغِ بناؤهُ يسبي قلوبَ السادةِ البلغاءِ
ولأنتَ أفضلُ منْ ترنمَ شاعراًولأنتَ أفضلُ من سما ببناءِ
ببناءِ مجدٍ لم يزلْ متصاعداًحتى بلغتَ بهِ إلى الجوزاءِ
هو هو لم يتغير في محراب الشعر، فهو من أعاد له الحياة وقدح بألغازه قريحة الشعراء، فتنافسوا في الردود حتى امتلأت الصحف والمجلات بأشعارهم بعد أن كادت تنطفئ شعلة القصيد، فأحياها من جديد ونفخ فيها من روح إبداعاته واختراعاته العجيبة ما لم يستطع أحد مجاراته فيها، فأشعاره السهل الممتنع، بل السحر الحلال الذي يجبر الناقد الخبير أن يقف إجلالاً وتقديراً لهذي اللوحات الرائعة مثل هذه القصيدة التي أهداها سيدي بوراشد إلى أخيه سيدي صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، بمناسبة السنة الجديدة 2025، تتجلى فيها روح الأخوة والمحبة الوطنية بين قادة دولة الإمارات.
وهذه القصيدة لا تقتصر على التهنئة فحسب، بل تعكس رؤيةً شاملةً للتقدم، والحضارة، والعطاء، والقوة، وتزخر بالصور البلاغية والمعاني الفلسفية التي تعبر عن هُويّة الإمارات وإنجازاتها.
يقول سيدي:
«يا خواتيمْ السنينْ المزهراتْ
روضْ دولتنا إمتلا وردْ وزهورْ»
افتتاح القصيدة عجيب في حين أنه ذكر الخواتيم وهي جمع ختام (النهاية)، وعند كثير من الشعوب الخواتيم لها معانٍ سلبية، لكنه استبدلها بمعان إيجابيةٍ جدّاً فشبّه السنين التي مرت على دولتنا المعطاء «بالمزهرات» والدولة شبّهها «بالروض الذي امتلأ ورداً وزهوراً» مما يمنح النص صورةً زاخرةً بالحياة والبهجة. الزمن هنا ليس مجرد مرور للأعوام، بل مرحلة من الازدهار والإنجازات المتنوعة، وهذا التصوير الفني يعكس أيضاً رؤيةً فلسفيةً ترى في الزمن فرصةً للنمو والتقدم، لا مجرد إطارٍ زمنيٍّ جامد. وهناك معنى بلاغي دقيق في جمعه بين الورد والزهور، فهو يريد أن يخلق تدرجاً معنوياً من الخاص إلى العام، مما يعكس التناغم بين الجمال المتفرد (الورد) والغنى المتعدد (الزهور)، فاستخدامهما معاً يعزز صورة الازدهار في دولة الإمارات، وكأنها حديقة ممتلئة بكل أنواع الجمال، من الأكثر تميزاً إلى الأكثر شموليةً. ثم يقول، رعاه الله:
نحنْ معتادينْ صنعْ المعجزاتْ
يومْ باقي الناسْ ماتقدرْ تثورْ
عبارة «معتادين صنع المعجزات» تحمل دلالة بلاغية قوية عبر الطباق بين «معتادين» و«ما تقدر»، مما يبرز الفخر الوطني بتفوق دولة الإمارات. فشاعر العرب الكبير وفارسهم يجعل الإنجاز أمراً معتاداً وطبيعياً للإماراتيين، بينما يعكس التناقض مع الآخرين الذين لا يستطيعون أن يقوموا من سباتهم وتخاذلهم، فثار في اللهجة تعني القيام بسرعة، وهو يعني هنا البناء والعمل والسباق من أجل رفعة الأوطان. ونجد في هذا البيت أيضاً فلسفة التفرّد والقدرةِ على تحويل المستحيلِ إلى واقعٍ، ولهذا لا توجد دولة في العالم فيها وزارة اللا مستحيل إلا في دولتنا حماها الله. ثم قال:
مانسوِّي للورا أيْ إلتفاتْ
سيرنا جدَّامْ وافين الشِّبورْ
في هذا البيت، يظهر إصرار أهل الإمارات، حكومةً وشعباً، على التقدم دون الالتفات للماضي. وقوله «وافين الشبور» تمثل كناية عن كثرة العطاء، حيث يصور الشاعر العطاء قيمةً مستدامةً ترافق مسيرة الوطن نحو الأمام ومن فلسفة الشاعر المحنّك؛ يربط بين التقدم والعطاء، حيث يصبح الكرم الوقود الذي يدفع الحركة المستمرة، فهو كما قال الشاعر الحكيم:
بالمالِ والعلمِ يبني الناسُ ملكهمُ
لمْ يبنَ ملكٌ على جهلٍ وإقلالِ
ثم تابع فقال:
شعبنا يحيا بهنا أحلىَ حياتْ
راضيْ ومرتاحْ في أمنْ وحبورْ
هذا البيت يعكس توازناً بلاغياً في استخدام «راضي» و«مرتاح» و«أمن» و«حبور»، مما يخلق إحساساً بالطمأنينة، وأنّ السعادة ليست فرديةً أو عابرةً، بل هي حالةٌ جماعيةٌ ومستدامةٌ نتيجة الاستقرار والأمان الذي تنعم به دولة الإمارات، وهذي النعم تقلّ جدّاً في أكثر الدول حتى في الدول المتقدمة تفتقر إلى كثيرٍ منها، ولكنها توافرت بكثرة في بلادنا بفضل الله، ثم بفضل قيادتنا الرشيدة التي جعلت نصب عينها سعادة وأمن الشعب أولوية لا تتهاون فيها. ثم قال:
وكلْ عامْ يمرْ نصنعْ أمنياتْ
وللمحبِّهْ نفتحْ قلوبْ وصدورْ
روح التجدد والطموح والتحدي تظهر جلياً في هذا البيت، حيث يذكر «بوراشد» رعاه الله، أن صياغة الطموحات وصناعة الأمنيات وتحقيقها مع كل عام جديدٍ عادة شهيرة عرفت لها الدولة وقيادتها منذ زمن بعيد. وفي قوله «نفتح قلوب وصدور» استعارة تعكس الانفتاح الإنساني والتسامح، وهما قيمتان أساسيتان في نهج الدولة..
وفي قوله:
ما علينا شَيْ م الأفراحْ فاتْ ولا تهيِّجنـا تـفـاهـاتْ الأمـورْ
في هذا البيت إشارة إلى الحكمة الإماراتية في التركيز على القضايا الكبرى دون الانشغال بالتوافه التي ابتلي بها كثيرٌ من الشعوب، والبيت يحمل دلالات بلاغية في استخدام التضاد بين «الأفراح» و«تفاهات»، مما يعزز روح الاتزان والنضج في التعامل مع الحياة.
ثم ينتقل، حفظه الله، إلى موضوع آخر من نهج الدولة فقال:
ومنْ يعادينا فمالهْ منْ نجاتْ
ويلهْ منْ جندٍ عزايمهمْ تفورْ
في هذا البيت، يظهر الحزم والقوة في حماية الوطن، فقوله: «عزايمهم تفور» استعارة بلاغية تمثل الحماس والطاقة المتدفقة، مما يعكس استعداد الجنود للدفاع بكل شجاعة.
وفيه أيضاً إشارة واضحة إلى أنّ القوة ليست مجرد وسيلة للحماية، بل هي جزء من الهوية الوطنية. ثم يتخلص من الحديث العام إلى المدح الخاص في سيدي «بوخالد» فقال:
وعندنا قايدْ عطا شعبهْ ثباتْ
هوُ جبلنا وحولهْ الدِّنيا تدورْ
نعمْ بوخالدْ وحيدٍ في الصِّفاتْ
حرْ نادرْ تتبعَهْ كلْ الصِّقورْ
وصف «بوراشد» في هذا البيت أخاه رئيس الدولة، حفظه الله، بأنه كالجبل الشامخ مما يمثل صورةً رمزيةً عن الثبات والقوة والمنعة والرفعة التي منحها لشعبه، وفي نفس الوقت «حوله الدنيا تدور» وهذا دلالة على المكانة المركزية للإمارات عالمياً. ونفهم أيضاً أنّ القيادة هنا ليست إدارةً فحسب، بل مصدر استقرارٍ وقوةٍ وتوازنٍ بين الداخل والخارج، وكما قال عمرو بن برّاق العدّاء:
متى تجمع القلبَ الذكيَّ وصارماً
وأنفاً حميّاً تجتنبكَ المظالمُ
ثم ختم هذه القصيدة الرائعة بقوله:
عامْ مَرْ بخيرْ وأفراحْ ونباتْ
وعامْ داخلْ بالرِّضا ونعمِهْ ونورْ
فيهْ نسعىَ بعزمنا للشامخاتْ
وكلْ عامْ ودولتيْ دارْ السِّرورْ
هذه الأبيات تعكس التفاؤل بالمستقبل، حيث يصبح الزمن في رؤية الشاعر حلقةً متواصلةً من الخير والنِّعَم، فقد جمع بين «خيرٍ وأفراحٍ ونبات» و«رضا، ونعمةٍ، ونورٍ» ليخلق صورةً زاهيةً للنعم المتعددة التي تنعم بها الدولة، حماها الله.
وفي الختام أراد سموه أن يظهر قيم الطموح المستمر لشعب الإمارات، حيث ترمز «الشامخات» إلى القمم العالية والإنجازات الكبرى، و«دار السرور» كناية عن دولة الإمارات أنها مصدرٌ من مصادر السعادة والإنجاز، ونستطيع أيضاً أن نستنبط معنى فلسفياً آخر هو أن الطموح هنا لا حدود له، حيث تسعى الدولة دائماً لتحقيق الأفضل لشعبها ولجميع الأشقاء والأصدقاء في العالم.
التعليقات