قبل عام، وبالتحديد في رمضان الماضي، وضع خمسة أطباء وإداري رفيع من جمعية الهلال الأحمر الكويتي، أرواحهم على أكفهم، وحملوا خبراتهم ومعداتهم ومساعداتهم، ويمموا وجوههم شطر غزة الجريجة، وهم على غير يقين بأنهم سيعودون لأهاليهم، ثانية، سالمين.

* * *

في مارس 2024 قرر كل من د.مساعد راشد العنزي، ود.حسين القويعان، ود.فيصل الهاجري ود محمد جمال، ود.محمد شمساه، ومعهم الإداري الرفيع في الهلال الأحمر الأخ عبدالرحمن الصالح، دخول غزة، بأية طريقة كانت، كأول فريق عربي أو إسلامي يدخلها، للقيام بما أملته عليهم إنسانيتهم وقسمهم، ورغبتهم في تقديم ما أمكن من مساعدة طبية وغذائية لأهالي غزة، والقيام بأكبر عدد ممكن من العمليات الجراحية، تحت ظروف هي الأسوأ، ربما في تاريخ الحروب، مدركين حجم المخاطرة، خاصة والعدو شرس وبلا أخلاق، والحرب مشتعلة، والهدم والتخريب مستمران، والإصابات الخطيرة والموت والجوع في تزايد رهيب.

مكث الفريق أربعة أيام، كانت مليئة بالخطر، بين الجرحى والمصابين والمحتاجين، تمكن خلالها من تقديم ما كان بإمكانهم تقديمه من جهد علاجي، بل وأنجزوا أكثر مما كان مطلوبا منهم، وأجروا العديد من العمليات الجراحية التي استطاعوا الوصول لها، وبينوا للفلسطيني المقاوم والجريح والأعزل أن إخوتهم في الكويت، داسوا على سابق جراحهم وآلامهم النفسية، وخاطروا بحياتهم، ودخلوا فلسطين لمد يد العون لهم.

كان دخول غزة في تلك الأجواء مغامرة رهيبة، وانجاز المهام التي أوكلت للفريق، مخاطرة أكبر، وكان الفريق على علم تام بما هم مقدمون عليه، والذي كان يشبه القيام بعملية انتحارية، خاصة تحت خطر نيران عدو تخلى عن أبسط المبادئ الأخلاقية، وتجرد من كل رحمة، لذا أخلى أعضاء الفريق، كتابيا، مسؤولية أي طرف عن سلامتهم، قبل حصولهم على تصاريح الدخول لغزة من الجهات المعنية، وكانوا على علم وإدراك تام بما هم مقدمون عليه من مخاطرة، قد تكون قاتلة.

لم يكتفِ الفريق بالمخاطرة بإجراء العمليات تحت القصف، بل ونجحوا في توزيع الكثير من سلال المواد الغذائية، ومواد الاسعافات الأولية على الأهالي، وقاموا بكل ذلك واصوات انفجارات القنابل وقذائف المدفعية، وطنين أو أزيز طائرات الدرون يصم آذانهم، مع استمرار القصف طوال ساعات الليل والنهار، وكانت مغامرة موت أو حياة، ولم يصدق بعض أعضاء الفريق أنهم عادوا من تلك الرحلة سالمين، ولكنهم كانوا جميعا راضين عما قاموا به.

أثناء ذلك كان البعض «منا» يسخر من المقاومة، غير مكترثين بالكارثة التي تعرض لها أهالي غزة، مستمرين في تذكيرنا بمواقفهم منا قبل 35 عاما، مؤيدين مواقف الصهاينة، وكأن المريب منهم يقول خذوني!!

* * *

تذكرت أحداث تلك المخاطرة العظيمة، بمعانيها الإنسانية، وبما قدمته لأهالي غزة من عون مادي وطبي ومعنوي، وتذكرت التاريخ الطويل والرائع لجمعية الهلال الأحمر الكويتي، ورئيس وأعضاء آخر مجلس إدارة منتخب، وتذكرت مقولة «أبو فراس الحمداني»: سيذكرني قومي إذا جدّ جدهمُ، وفي الليلة الظلماء يفتقد البدرُ!

متمنيا في الوقت نفسه التوفيق لرئيس وأعضاء مجلس إدارة «جمعية الهلال الأحمر»، الجديد.


أحمد الصراف