"انتهى العيد.. انتهى الكريسماس" بهذه العبارة المقتضبة عبّرت سيدة ألمانية عن صدمتها حيال حادث الدهس، الذي وقع مساء أمس الإثنين في سوق (من بين 2500 سوقاً منتشراً في عموم البلاد) لأعياد الميلاد، قرب كنيسة الذكرى في العاصمة برلين.
بحسب آخر التصريحات التي أدلت بها السلطات الألمانية، الحادث الذي أسفر حتى الآن عن مقتل 12 شخصاً، وجرح أكثر من 40 آخرين، بعضهم في حال خطيرة، يُحتمل جداً أن يكون "هجوماً إرهابياً"، على غرار ما شهدته مدينة نيس الفرنسية في يوليو الماضي.
ورغم وجود أسباب كثيرة تدفع للإعتقاد بأن ما حصل هو "هجوم إرهابي"، إلا أنّ المسؤولين الألمان، لا يزالون يتحفظون على وصف ما حصل في كلمته ب"الإعتداء".
هجوم برلين بحسب تقرير لوكالة "اليوروبول"، نشرته في الثاني من ديسمبر الجاري كان متوقعاً. الوكالة حذّرت في تقريرها الدول الأوروبية فرنسا وألمانيا وبلجيكا وهولندا وبريطانيا من "احتمال قيام تنظيم الدولة الإسلامية بشن هجمات عليها قريباً"، خصوصاً بعد هزائم التنظيم في العراق وسوريا وزيادة أعداد المقاتلين العائدين إلى أوروبا.
المشتبه به، والذي يعتقد أنه منفذ الهجوم وسائق شاحنة الموت، بحسب الشرطة الألمانية التي ألقت القبض عليه، هو "أفغاني الجنسية"، ودخل إلى ألمانيا كلاجئ في فبراير الماضي.
لم تثبت السلطات الألمانية التي تجري التحقيقات، فيما إذا كان للمشتبه به علاقة مع التنظيمات الإرهابية، لكنّ كلّ المؤشرات تتجّه نحو تزايد احتمال ما قام به "عملاً إرهابياً"، له علاقة ب"الإرهاب المنظّم" أكثر من أي شيء آخر.
هذه ليست المرّة الأولى التي يقوم فيها لاجئ قدم من بلاد إسلامية دمّرتها الحروب والمجاعات، بأعمال جنائية بشعة أو إرهابية تهز الرأي العام الألماني أو الأوروبي.
والشيء الذي بات لا يستوعبه الألمان والأوروبيون، هو: "كيف للاجئ دخل بلاداً يطلب الأمان، لكنه يهدد أمنها وراحة مواطنيها في الآن ذاته؟"
بحسب تقريرٍ للمكتب الإتحادي لمكافحة الجريمة في ألمانيا (BKA) أن هناك مئات الأدلة التي تشير إلى دخول العشرات من الإرهاببين المرتبطين بالتنظيمات الإسلامية المتشددة (بينها داعش)، ممّن تسللوا إلى ألمانيا بين صفوف اللاجئين، والذين تجاوز عددهم مليون لاجئ، وصل معظمهم خلال عام 2015.
تزايد وتيرة الجرائم الجنائية البشعة والأعمال الإرهابية في ألمانيا، مؤخراً من قبل لاجئين لم تمضِ على فترة لجوئهم سنة واحدة، زاد من السخط الشعبي وانتقاد الرأي العام الألماني لسياسة" الأحضان الدافئة" أو "الأبواب المفتوحة" التي اتبعتها المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في صيف عام 2015.
رغم تراجع ميركل أمام مندوبي حزبها، عن سياستها تجاه قضية اللاجئين واعترافها بشكل غير مباشر بأخطائها عندما فتحت أبواب ألمانيا أمام اللاجئين، إلاّ أنّ هجوم برلين الأخير بشاحنة الموت، سيجدد من انتقادات الرأي العام الألماني والسياسيين الألمان لها. الأمر الذي قد يعيد سياسة "القارب امتلأ" إلى الواجهة من جديد، والتي أطلقها اليمين المحافظ في ألمانيا، في تسعينيات القرن الماضي، لتغيير سياسة اللجوء و"إنقاذ الهوية الألمانية"، على حد قول بعض السياسيين الألمان المنتمين إلى أحزاب اليمين المتطرف مثل حركة "بيغيدا" وحزب "البديل لأجل ألمانيا". وهو ما قد يؤدي بالنتيجة إلى صعود ظاهرتي "الشعبوية" و"الإسلاموفوبيا" في ألمانيا، على غرار الحالة الفرنسية.
تدفق اللاجئين على ألمانيا بشكل غير مسبوق لم تعد بالقضية السهلة، التي يمكن حلّها أو التخلص منها في الأمد القريب. ففي ظلّ الرفض الشعبي وتباين وجهات النظر سواء على مستوى الأحزاب أو النخب الألمانية سيصبح من الصعوبة بمكان الحديث، راهناً، عن استقرار سياسي وأمني، طالما تمتعت به ألمانيا خلال العقود الماضية.
أياً كانت الأهداف المخطط لها من وراء هجوم برلين، إلاّ أنّ المؤكد هو أنّ ذلك سيزيد من حرج المستشارة الألمانية "ماما ميركل" داخل المجتمع الألماني وربما خارجه الأوربي أيضاً، ناهيكم أنه سيضع الديمقراطية الألمانية والقيم الليبرالية أمام المزيد من التحديات لمواجهة "اليمين الألماني" الصاعد وظاهرة "الشعبوية الفرنسية"
التعليقات