يبدو ان أنواع الشرور وعديد الصفات البذيئة والأخلاق غير السامية وكل ما هو سافل ومنحطّ من القيم قد استأنست الركون والإقامة في بلادي وعشعشت في خرائبه وغصونه اليابسة واتخذت من أرضهمغارات وكُوى وجحور لاتريد أن تغادره حتى تعيث به فسادا وتمزيقا .
وقبلا كنا نحن العراقيين نتندّر ضحكا وهزءاً مخلوطا بالحزن من كثرة الصور والجداريات والنصب التي تمثّل الدكتاتور الثقيل الوطأة على صدورنا صدام حسين بحيث فاقت نفايات وأزبال المدن الكثيرة السكان والتي تخدش أنظارنا كل يوم عند خروجنا لقضاء حاجةٍ ما وتغلي صدورنا أينما ولّـينا وجوهنا ونعجب ونحن نرطن هذه العبارة العراقية الدالّة على التعجّب " شِـيْلمْها " !!
وأوجز معناها كالآتي لقرّائنا الأعزّاء غير العراقيين : كيف لنا ان نجمع هذا الكمّ الهائل من آثار ونُصُب وصور وتماثيل وجداريات هذا الرجل ؛ فالأمر يحتاج شهوراً لكثرتها وتنوّعها واعداد خزعبلاتها !!!
إذ تحكي أسطورة سارق النار ان آلهة الاوليمب اليونانية حينماغضبت غضبا شديدا على برومثيوس النقيّ السريرة بعدما وهبخدماته الجليلة الى الأرض وسرق النار من الآلهة ليمنحها عطاياسخية الى البشر ، دبّروا له مكيدة غادرة لايمكن الخلاص منها بسهولةٍ ؛ فبعثوا المرأة الحسناء الماكرة " باندورا " وهي تحمل خُزانة فيها كل شرور وصفات السوء ( نفاق وكذب وخيانة وفرقة وانحلال وجبن وقتل ولصوصية ... الخ مما لايحصى من السفالات العائمة بيننا الان ) لنشرها طولا وعرضا في الأرض لتخريبها وبثّ الأوبئة والخلق السيئ في كل ربوعها بعد ان نجحت الغانية " باندورا " في استمالة شقيقبرومثيوس الضعيف امام النساء الغنجات أمثال باندورا ، لا برومثيوس النبيل نفسه فانتشر الهول الوسخ والعاهات الأخلاقيةالرثّة وأخذت أحابيل النفاق والكذب والادّعاءات البطولية الكاذبة والوعود المضللة تتسع كالهشيم في النار ؛ فالناس غير الناس والأخلاق غير الأخلاق والنخب التي سادت لم تعد ترى سوى منافعها وملء جيوبها وليذهب الملأ المبتلي بالأسقام والمجاعة والعنف والكراهة والحقد وكل ما هو مرعب إلى الجحيم .
شيء واحد بقي في خزانة " باندورا " لم تشأ ان تُخرجه ، الا وهو روح الأمل وقد أحكمت إغلاقه وبقي مدفونا في الصندوق بعد انأفرغت منه كل ما هو سيء وشرير ومرعب ومدنّس ووسخ وبثّته في كلّ الأرجاء ليعمّ ربوعنا وكأن هذه الأسطورة صارت واقعا معاشا تماما وان زمان المعجزات والغرائبية نراها هنا بأمّ أعيننا في بلادي بكل صورها البذيئة في عراق النبل والطهر وأننا في أمسّ الحاجة الآنلشعبٍ وقادة شرفاء وبُناة وأبناء بررة ونجباء يشمّرون عن سواعدهم لإنقاذنا من هول الشرور العائمة فينا .
فمن سيطلع منا ليبعث تلك الروح وبشرى الأمل ويلمّ كل أنقاض الشرور الشائعة فينا ويحرقها فناءً تاما ؟؟
هل كُتب علينا ان نلملم مخلفات الدكتاتور الذي سحَقنا لخمسة وثلاثين عاماً وبذاءات صورهِ وجدارياته وآثاره وخزعبلاتهِ ونشمّر عن سواعدنا مرة اخرى في المقبل القريب ونعود مجددا كي نلملم مخزيات وقذارات صندوق " باندورا " الهائلة ،ومن اين لنا كل هذه السواعد والعقول والمطهّرات لنعيد الى هذه الارض طهرها السابق ونبلها الرائح وخيراتها الماحقة وكلٌ يبكي على ليلاه وجيبه وطائفته وقبيلته وعِرقهِ وقوميتهِ وانبعاث تلك ( الانا ) بشكل مخيف ومرعب في الضمائر وغياب ( النحنُ ) وهنا من حقّنا ان نعجب ونقول هازئين يائسين : شِيْلمْها!
جواد غلوم
التعليقات