في مقالتنا المتواضعة الأسبوع الماضي التي ختمنا بها العام الميلادي 2016م، أشرنا الى اهم عشرة اكتشافات علمية خلال العام المنصرم، لم يكن للعرب أي نصيب منها، بل لم يكن لهم أي نصيب في الاكتشافات العلمية منذ ما يقارب المائتين عام. ونبدأ مقالة هذا الأسبوع وهي الأولى للعام الجديد 2017م بلفت نظر القراء الكرام الى الكيفية التي استفتح بها العالم العربي والغربي هذا العام.
في العالم العربي
1. أدت التفجيرات الارهابية التي ضربت أكثر من منطقة في العراق خلال الاسبوع الاول من العام الجديد الى مقتل 77 شخصا وجرح حوالي 96شخصا آخر. وفي سوريا، كانت حصيلة التفجير الارهابي في مدينة جبلة على الساحل السوري 15 قتيل وحوالي 45 جريح، اضافة الى القتلى والجرحى الذين يسقطون في مناطق القتال بين قوات النظام وقوات المعارضة نتيجة خرق الهدنة التي توصلوا اليها عن طريق الاتفاق بين روسيا وتركيا.
2. مقتل 39 شخصا بينهم 15 اجنبيا على الاقل، عندما فتح مسلح متنكر بزي بابا نويل النار على حشد يحتفل بحلول العام الجديد داخل ملهى ليلي شهير في اسطنبول. كما اوقع الاعتداء ايضا 65 جريحا من بينهم اربعة اصابتهم خطيرة. رغم ان هذا العمل الاجرامي وقع في تركيا، إلا انه في الواقع مرتبط ارتباطا مباشرا بالحروب الاهلية التي تعصف بالوطن العربي.
3. قبضت الشرطة المصرية (يوم الاربعاء، الرابع من الشهر الحالي) على متهم بذبح بائع خمور قبطي في الاسكندرية (مساء الاثنين، الثاني من الشهر الحالي) يشتبه في ان دوافعه دينية، بحسب مسؤول أمنى رفيع في الاسكندرية. وقال المسؤول ان الشرطة اوقفت صباح الاربعاء "عادل ابو النور السيد -50 عاما" المتهم بقتل "لمعي يوسف -61 عاما" صاحب محل بيع الخمور في منطقة سيدي بشر في غرب الاسكندرية. واكد نجل الضحية "طوني لمعي" في اتصال هاتفي اجرته معه فرانس برس، ان شخصا باغت والده من الخلف قرابة مساء الاثنين (2 يناير) اثناء جلوسه على كرسي امام المحل ومرر السكين على رقبته مرتين فسقط قتيلا. هؤلاء الضحايا قتلوا وجرحوا خلال الاسبوع الاول من العام الجديد.
في العالم الغربي
أعلن العلماء الألمان من جامعة بون انهم جربوا بنجاح عقاراً جديداً اسمه JQ1 سيحدث ثورة في معالجة سرطان الخصية، ويفترض ان العقار الجديد ينجح بالذات مع أنواع سرطان الخصية التي لا تستجيب لأنواع العلاج الأخرى. وكتب العلماء في مجلة "الطب الخلوي والجزيئي" ان عقار JQ1 كان مقدراً له الاستخدام في الطب كعقار لمنع الحمل من قبل الرجال (حبوب منع الحمل للرجال)، لأنه يوقف نضوج المني إلى درجة القدرة على الاخصاب، لكنه اثبت قدرة على مقارعة أشرس أنواع سرطان الخصية.
ونجح العقار في التجارب على الفئران في وقف تقدم سرطان الخصية وقتل الخلايا السرطانية بشكل أدى إلى تقليص حجوم الأورام بشكل حاسم. شارك في الدراسة، إلى جانب قسم الباثولوجي في جامعة بون، علماء من جامعة سانت غالين السويسرية وعلماء من جامعة هارفارد الأميركية.
استفتحنا نحن العرب العام الجديد بقتل الانسان، واستفتح العالم الغربي الكافر (حسب تعبير مشايخنا الافاضل) العام الجديد بالعلم والعمل من اجل المحافظة على حياة الانسان واسعاده. مسلسل القتل والتدمير عندنا لن يتوقفبل سيزداد حدة وعنفا، ومسلسل الاكتشافات العلمية والطبية عندهم لن يتوقف بل ستتواصل اكتشافاتهم العلمية في كل المجالات. قال تعالى: "مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَكَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا".
لن اطيل عليكم شرح كيفية الخروج من هذا المأزق الحضاري الذي تعاني منه الأمة العربية منذ خروج الاستعمار الغربي من المنطقة في الخمسينات من القرن الماضي. سأنقل لكم فقط ما قاله رئيس الوزراء الماليزي الاسبق الدكتور "مهاتير محمد" في منتدى "كوالالمبور للفكر والحضارة" الذي عقد في العاصمة الماليزية في الفترة من 10-13 نوفمبر 2014م. وكان موضوع المنتدى "الدولة المدنية – رؤية اسلامية".
شرح "مهاتير محمد" موضوع الدولة المدنية بدقة حيث قال: "نحن في ماليزيا بلد متعدد الأعراق والأديان والثقافات، وقعنا في حرب أهلية ضربت بعمق أمن واستقرار المجتمع، فخلال هذه الاضطرابات والقلاقل لم نستطع أن نضع لبنة فوق اختها، فالتنمية في المجتمعات لا تتم إلا إذا حل الأمن والسلام، فكان لازمًا علينا الدخول في حوار مفتوح مع كل المكونات الوطنية دون استثناء لأحد،والاتفاق على تقديم تنازلات متبادلة من قبل الجميع لكى نتمكن من توطين الاستقرار والتنمية في البلد، وقد نجحنا في ذلك من خلال تبني خطة 2020 لبناء ماليزيا الجديدة، وتحركنا قدماً في تحويل ماليزيا إلى بلد صناعي كبير قادر على المنافسة في السوق العالمية بفضل التعايش والتسامح".
واضاف "مهاتير" قائلا" "إن قيادة المجتمعات المسلمة والدفع بها للأمام ينبغي ألا تخضع لهيمنة فتاوى الفقهاء والوعاظ، فالمجتمعات المسلمة عندما رضخت لبعض الفتاوى والتصورات الفقهية التي لا تتناسب مع حركة تقدم التاريخ أصيبت بالتخلف والجهل، فالعديد من الفقهاء حرموا على الناس استخدام التليفزيون والمذياع، وركوب الدراجات، وشرب القهوة، وجرموا تجارب عباس بن فرناس للطيران. إن كلام العديد من الفقهاء بأن "قراءة القرآن" كافية لتحقيق النهوض والتقدم أثر سلباً على المجتمع، فقد انخفضت لدينا نسب العلماء في الفيزياء والكيمياء والهندسة والطب، بل بلغ الأمر في بعض الكتابات الدينية إلى تحريم الانشغال بهذه العلوم، وأن حركة المجتمع لابد أن تكون جريئة وقوية، وعلى الجميع أن يدرك أن فتاوى وأراء النخب الدينية ليست ديناً، فنحن نقدس النص القرآني ولكن من الخطأ تقديس أقوال المفسرين واعتبارها هي الأخرى ديناً واجب الاتباع".
بالإضافة الى اعتماد "الدولة المدنية"، اود ان اضيف عاملا آخر تحتاجه الأمة العربية، ألا وهو وجود قادة وزعماء سياسيين عرب في مستوى "مهاتير محمد" العلمي والفكري والاخلاقي من حيث الأمانة والنزاهة والاخلاص في خدمة الوطن. كما يجب منع العسكريين من الانخراط في السياسة وإدارة شؤون الدولة لأن اكثرهم لا يفقهون شيئا في علم السياسة، والتاريخ الحديث شاهد على ذلك. لم تستقر وتتطور دول أمريكا اللاتينية وبعض دول شر ق آسيا إلا بعد ان انسحب العسكر من الساحة السياسية في هذه الدول ورجعوا الى ثكناتهم.
التعليقات