من يتابع قرارات الرئيس الأمريكي " ترامب" و تصريحاته منذ تنصيبه إلى الآن، يدرك أن الرجل يتحرك وفق عقيدة راسخة أساسها كره العرب و المسلمين عموما، و تأييد المصالح الأمريكية الإمبريالية، و دعم إسرائيل و الدفاع عن تطلعاتها العنصرية، على إعتبار أن الغاية واحدة...
لكن كل هذا لا يهم فعداوة القادة الأمريكيين و الغربيين عموما للعرب و المسلمين ليست بالأمر الجديد، فهي راسخة عبر أزيد من ١٤ قرن منذ فجر الإسلام فالمكائد و الحروب ضد المسلمين لم تتوقف فمن سياسة الاغتيالات التي تعرض لها ثلاث خلفاء راشدين مرورا بالحروب الصليبية و ما صاحب ذلك من تأجيج الصراعات الطائفية و الاثنية إلى إبادة المسلمين في الأندلس و سياسات الاستعمار الأوروبي التي تكالبت على تركة الرجل المريض و احتلت أجزاء واسعة من العالم العربي و الإسلامي ، وتسليم فلسطين لليهود وتشريد أهلها... إن جرد اعتداءات الغرب عموما على بلاد المسلمين لا تكاد تنتهي...
لكن ما يهمنا حقيقة هو هذا الجبن الذي يظهره القادة العرب لجلادهم، كيف يعقل أن نتحالف مع هذا الرجل الذي يفكر بمنطق القراصنة و قطاع الطرق وليس بمنطق الزعماء و القادة الذين يسعون لنشر التنمية و السلم و الأمن و ترسيخ أسس التعاون و التضامن والحوار بين الشرق و الغرب ...
فسياساته التي عبر عنها قولا و فعلا تستهدف بالدرجة الأولى العالم العربي و الإسلامي، فهو يهدد بإلغاء الاتفاق النووي مع إيران و السيطرة على أموال العراق و فرض المزيد من الجزية على بلدان الخليج مقابل الحماية و اللائحة طويلة ... بينما في مقابل ذلك يسعى جاهدا لكسب ود روسيا و الصين، فهو يخشى قوة و بطش هؤلاء لأن لديهمالقدرة على الرد، بينما العالم العربي و الإسلامي منطقة فارغة من أي قوة و لا تشكل بالنسبة له أي تهديد، فمواردها و قدراتها أصبحت مستباحة للجميع...
فالرئيس الأمريكي منذ حملته الانتخابية و إلى حين تنصيبه وهو يعد بإلغاء الاتفاق النووي مع إيران، و الغريب أن هذا الاتفاق كان موضع استهجان من العديد من البلدان الخليجية التي أصبحت اليوم تتخوف من إلغاءه؟!
و نحن هنا نرسل بسؤالنا إلى حكومات البلدان المتخوفة من إلغاء الاتفاق : ألم تستفد إيران بالدرجة الأولى من هذا الاتفاق برفع الحظر الاقتصادي عنها و تحرير ملايير الدولارات التي كانت محتجزة لها ببنوك الغرب، وهو ما أفاد الاقتصاد الإيراني ووسع خيارات القيادة الإيرانية؟ . بينما لم تجني البلدان الخليجية من هذا الاتفاق إلا خسارة ميزانيات مهولة للتسلح و الدخول في صراعات بالوكالة أحرقت الأخضر و اليابس و جعلت الأمة العربية عرضة للذل و التخلف و الجهل و سفكالدماء . إن المنطق الرشيد و السياسة العقلانية تقتضي بناء القوة و تجنب صناعة مزيد من الأعداء، فإذا كانت إيران تسعى للحصول على التكنولوجيا النووية، فلماذا لا نسعى بدورنا للحصول عليها حفاظا على حقنا في الوجود، لا سيما و أن العدو الأول للعرب و المسلمين "إسرائيل" تتوفر على ترسانة نووية بإمكانها إفناء أهل المنطقة في دقائق.
الواقع إني لا أعاتب إيران على سياساتها فضعف أهل الإقليم هو الذي جعل منها قوة ذات عضلات تبعا للمثل الشعبي" الأعمش في بلاد العميان ملك" ، فتعاون العرب و تحالفهم مع الغريب على ضرب و كسر بعضهم بعضا ، جعل المنطقة ضعيفة وعاجزة أمام كل حكومة أو بلاد لها قدر من التنظيم والقيادة الحكيمة ، فتوسع إيران وتمددها لايعني أنها بلغت الكمال و أنه من المستحيل مواجهتها. فهذا البلد له من المشاكل و النواقص ما يجعل قيادته تنهج نفس سياسات "ترامب" القائمة على الابتزاز و التهديد مع العجز عن الدخول في مواجهة مباشرة ...
لذلك، لا ينبغي للحكومات العربية الخضوع لدعوات "ترامب" بالتحالف لضرب إيران أو محاصرتها، ففي ذلك مصلحة لأمريكا و إسرائيل وحدهما، بينما العرب هم الخاسر الأكبر، و إيران بدورها لن تخسر شيئا ، فلن تستطيع إدارة "ترامب" أو حليفته "إسرائيل" أن تهاجم التراب الإيراني ، لان هذه الأخيرة لها القدرة على الرد و أمنت مصالحها بتوحيد جهودها داخليا و بناء اقتصاد حرب و جعل مشروعها النووي مشروعا قوميا و ليس مشروع للحاكم أو زبانيته...وتمددهاإقليميا بتوظيف شعارات الدفاع عن فلسطين و دعم الشيعة و ما إلى ذلك من الشعارات.
إن ما تعيشه المنطقة من تفكك و تخلف هو نتاج طبيعي لفشل اختيارات و رهانات أنظمة الحكم، و التي فقدت شرعيتها منذ اللحظة التي تحالفت فيها مع الأجنبي الذي اغتصب أجزاء من العالم العربي و الإسلامي -وهو ما أعطى لإيران و غيرها الذريعة لاستباحت حرمة الأرض و الدم في كل من العراق وسوريا ...-، ومنذ أن أصبحت حروبها موجهة للداخل بدل أن توجه لبناء قدرات الأمة و مواجهة الأعداء الحقيقيين الذين يتربصون بالأمة العربية والإسلامية و يكيدون لها في السر والعلن.
ينبغي أن يكون رد بلدان العرب برفض الاستمرار في معاداة إيران مجانا و خدمة لمصالح الغير، فإذا أرادت أمريكا و العالم مواجهة إيران فلهم ذلك، لكن شريطة ألا يوظفوا أراضي العرب أو دمائهم أو أموالهم فيما يقدمون عليه ...ومن مصلحة بلدان الخليج نهج سياسة الحياد و الابتعاد عن الإضرار بمصالح بلد جار ومسلم كما ينبغي لهذا الأخير الالتزام بالمثل . و لتسعى بلدان الخليج لبناء قوتها الذاتية بتعاون مع باقي أطراف الأمة و الابتعاد عن الخطاب الطائفي –و لو مؤقتا- فمن العبث الخوف من التمدد الشيعي في أوساط أهل السنة و الجماعة ، فالحلال بين و الحرام بين و النفوس التي لها ارتباط بكتاب الله و سنة المصطفى تستطيع بفطرتها أن تميز بين الحق والباطل.. فبدلا من خوض معارك طاىفية فمن باب أولى دعم التربية الدينية وفتح المدارس و المساجد وقنوات الاتصال لتعليم العقيدة الصحيحة كما جاء بها النبي محمد عليه السلام، و في ذلك تحصين حقيقي للافراد و الجماعات ضد كل تطرف أو زيغ من جهة، و توحيد لجهود الأمة و تجميعها تحث راية الاسلام من جهة أخرى ، وفي ذلك تحصين للاسلام ذاته في مواجهة المتكالبين عليه ، و وقف للمد المتطرف الذي أخد من الدين غطاءا لترهيب الأمنين و استباحة أموالهم و أعراضهم...
إن تحديات الأمة العربية و الاسلامية مغايرة تماما لما تريده أمريكا أو روسيا أو الغرب عموما ، إن التحدي الحقيقي اليوم هو تحقيقالمصالحة الداخلية بين الحكام و المحكومين و الانصات لتطلعات الأغلبية الصامتة والتعبير عن اختياراتها، و نبذ الفرقة بين الإخوة العرب و المسلمين فرابطة الاسلام كانت و لاتزال واسعة بالقدر الذي يكفي لتجاوز كل التباينات و المشاحنات، فالأفضلية ينبغي أن تكون لمن يخدم مصالح الأمة العربية و الإسلامية و يجعل لهذه الأمة وزنا و احتراما و يرجع لها هيبتها و تقديرها. وذلك يقتضي طبعا وقف نزيف الدم و الصراعات الطائفية و الابتعاد عن أجندة ترامب فهي لا تحمل لنا كعرب و مسلمين إلا الشر. و الله غالب على أمره.
*إعلامي و أكاديمي مغربي متخصص في الاقتصاد الصيني و الشرق آسيوي.
التعليقات