بدا جلياً أن استنفار الأجهزة الأمنية التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي في الآونة الأخيرة، ومداهمة الأسايش لكل مقرات ومكاتب التنظيمات السياسية المناوئة لسياسة من يديرون الكانتونات نيابة عن السلطة المركزية في دمشق بذريعة تقديم التراخيص، كان الهدف منه إما كسب الشرعية من نفس تلك الأحزاب وجماهيرها، أو حظر أنشطة كل تلك الأحزاب التي لم تستطع الإدارة الذاتية لا شلّها بالرغم من كل المضايقات اليومية لها، ولا كسب ودها وهو ما لن يحدث بسهولة، لأن الإدارة الذاتية بالنسبة لكل تلك التنظيمات مجرد نائب عن النظام في حكم وإدارة المنطقة.
أما عن شرعية ولا شرعية الإدارة الذاتية فنستذكر ما أشار إليه يوماً الدكتور فارس العزاوي بخصوص العلاقة بين الشريعة والقانون قائلاً "إن القانون في حقيقته مجموعة القواعد التي تنظم الروابط المجتمعية بمختلف صورها، فالقانون يطلق على القواعد والمبادئ والأنظمة التي يضعها أهل الرأي في مجتمع ما، لتنظيم شؤون الحياة الاجتماعية والاقتصادية؛ استجابة لمتطلبات الجماعة، ومرجع القانون في الغالب العادات والتقاليد والأعراف".
ولا شرعية الإدارة الذاتية تتأتى من كون الإدارة الذاتية لم يتم اختيارها من قِبل العامة ولا من قبل أعيان المجتمع، فمن هنا تفتقر الإدارة الذاتية إلى أحقية فرضها بالإكراه، ولو أنها غدت تمتلك أسباب القوة بعد استفادتها من تناقضات أعداء الداخل إضافةً إلى أعداء الخارج المعنيين بالوضع السوري، وذلك باعتبار أن إعلانها صيغ وانوجد عقب اتفاق حزب الاتحاد الديمقراطي مع نظام دمشق، لذا فشرعية السلطة الحالية في المناطق الكردية تبقى متعلقة بشرعية النظام وإدارته، وإن كان النائب كثيراً ما يحاول أن يوحي بأنه يمتلك الصفة الشرعية أمام ذويه، إلا أن تلك الشرعية حسب كل عارف هي مستمدة مباشرةً من القابع في قاسيون، بكونها تنوب عن النظام وتمارس السلطة بناءً على توجيهاته وأوامره لها، وهي إذن إدارة مؤقتة، والمؤقت عادةً لا يحق له تغيير الشرائع بقدر ما هو معني بحراستها، والإبقاء عليها كما كانت من دون تغيير أي شيء في بنيتها، إلاّ اللهم إذا أرادت الإدارة تلك أن توهم الناس وتخدعهم عبر إطلاق بعض الشعارات والإضافات التذويقية على الجسم الأصلي، في محاولةٍ منها لتجميل صورة ذاتها، أو إيهام الذات والأتباع بمحاولة إصباغ المشروعية الوجودية لها كإدارة وسلطة أمر واقع، وبما أنها مؤقتة وخاضعة لسلطة وضعية لا تستمد شرعيتها من جهة أهل السماء كما كان الحال في القرون الوسطى، فلا يحق لها إذن والحالة هذه سن القوانين أو إصدارها أصلاً، إلا إذا ما جاءت الأوامر والتلقينات من السلطة الأولى التي أوكلتها مهمة الإدارة إلى حين، وربما كان بمقدورها وفي إطار الشكليات إجراء تعديلات طفيفة على القوانين في حال إذا ما استطاعت كسب رضا شريحة واسعة من أهل الشورى والمعرفة والرأي العام، وهو الذي لم يحصل في الكانتونات الثلاث قط، ما يعني بأن طلب الوكيل من الأحزاب الكردية الأخرى بتقديم التراخيص لا شرعية له، وأن كل ما جرى من الاعتقالات، ومن ثم إغلاق مكاتب الأحزاب بالجملة جاء بأمر مباشر من ذلك الذي سلّم إدارة المنطقة لحزب الاتحاد الديمقراطي، ولم يكن الحزب مع فروعه وأسايشه إلا أذرع وأطراف اصطناعية للهيكل الأساسي للنظام وصاحبه الماكث في دمشق، ولو لم يكن الأمر كذلك لاستطاعت الإدارة المزعومة تلك الدنوَ من مقرات النظام في الكانتون، وأمرت بإغلاق مؤسسات ومكاتب حزب البعث الحاكم وميليشياته والتنظيمات الموالية له، ولا نقول حرقها مع أنها تستحق الحرق عشرات المرات بناءً على الجرائم التي ارتكبها الحزب الحاكم عبر مؤسساته منذ تبوئه السلطة في سوريا إلى تاريخ اليوم.
وبما أن شرعية السلطة الراهنة غير مستمدة من جهة السماء، فعليها إذن أن تتوافق مع أعراف المجتمع ولا تتعارض معه، بل وعليها أن تؤكد القيم المجتمعية ولا تضربها عرض الحائط كما فعلت الإدارة المزعومة في الفترة الأخيرة، وحيث ذكر الكاتب شيار عيسى صاحب كتاب (تساؤلات في الديمقراطية سوريا نموذجاً) "أنه في يوم 15 آذار محموعة مؤلفة من 8 أشخاص من مجموعة تابعة لـ: PYD إلى منزل رئيس اتحاد الكتاب الكرد- سوريا (ديلاور زنكي) ولم يكن أحد غير ابنته موجوداً في البيت فلم تفتح الصبية الباب وحينها قاموا بكسر الباب واقتحام المنزل عنوة وقاموا بالشتم والتخوين وتهجمت إحدى المقتحمات عليها ومن ثم قاموا بإزالة أعلام كردستان في المنزل وغادروا"، وكذلك الحملات العشوائية للوكيل بغرض جمع وسوق الناس عنوةً إلى جبهات القتال مع أعداءٍ مفترضين أو مختلقين، وكذلك إغلاق مقرات 16 تنظيم سياسي وحيث يعرف معظم سكان المنطقة بأن الوجود السياسي والتنظيمي لتلك الأحزاب أقدم من ميلاد حزب الاتحاد الديمقراطي الذي تأسس في 2003، إذ أن بعض الأحزاب التي طُلبت بالتراخيص وأغلقت مقارها يعود تأسيسها لعام 1957، ورغم تلك المفارقة تابع الوكيلُ سلسلة الاعتقالات المزاجية لكل من لم يكن لونه قريباً من اللون الذي تفرضه إدارته الذاتية، ولا نقول لون الاتحاد الديمقراطي باعتبار أنه من أبرز الأحزاب الشرق أوسطية الذين لا لون ولا رائحة ولا شكلاً نهائياً أو واضحاً له، فهو كحزب أشبه ما يكون بقنديل البحر الذي إن رآه المرء خُيّل إليه أنه مجرد كيس نايلون مرمي في البحر، باعتبار أن لونه وشكله مخادعان فلا يعيره المواطن اهتماما إلا أنه وفور الاقتراب منه يصيب المُلامِس بالحساسية والحكة المفرطة، بل ومنها حسب الويكيبيديا ما تسبب الموت المباشر، فليس من خاصية لونية لذلك الكائن حتى ينتبه المرء إليه، إذ أن قوام القنديل هلامي كقوام التنظيمات السياسية الهلامية التي لا يعرف المرء خواصها بسهولة، فهي تلسع كالقناديل ثم تتملص مما اقترفته بكل يسر كما فعل أنصار الاتحاد الديمقراطي بالضبط في الكانتونات، حيث أنهم حرقوا وكسروا مكاتب الأحزاب الكردية ثم اتهموا المتضررين أنفسهم بافتعال ذلك الأذى والضرر، وفي هذا الخصوص يحضرنا مثل كردي (عفريني) ولو أنه قد يكون مخدِّشاً للحياء نوعاً ما، إلا أنه يشير صراحةً إلى هكذا حالة ويعبّر عن ذلك السلوك بدقة عالية ألا وهو:
((Heft kiras orispia hene yekî li xwe dikin yên din jî li xelkê dikin ))
أي بمعنى أن للمرأة الفاجرة سبع أردية ترتدي أحدهم فيما تُلبِّس الآخرين الباقي منهم، وسنكتفي ههنا بهذا القدر من عرض حال الإدارة تلك، إلى أن نتبعه بمادة أخرى عن حزب الاتحاد الديمقراطي وإدارته المؤقتة ومدى ثقة الشعب بالحزبِ والوكلاء.
- آخر تحديث :
التعليقات