رغم التماسك العرقي للأكراد السوريين، ثمة انقسامات سياسية وخلافات حادة بينهم، حول طبيعة قضيتهم وسقف مطالبهم. وجود أكثر من 40 حزب ومنظمة كردية سورية، يعكس الشرخ الكبير في البيت الكردي. الحرب السورية الراهنة، بقدر ما ساهمت في إبراز قضية أكراد سوريا،كذلك زادت الوضع الكردي تعقيداً. اربكت القوى السياسية الكردية، المنقسمة اليوم بين كتلة (حزب الاتحاد الديمقراطي)، الذي يأخذ من "جبال قنديل" العراقية مرجعية له، حيث تتواجد قيادة حزب العمال الكردستاني(pkk )، وكتلة( المجلس الوطني الكردي) المنخرط مع ما يعرف بـ"الاتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية"، ويأخذ من (اربيل) مرجعية له، حيث مقر حكومة ورئاسة الاقليم الكردي العراقي (مسعود البرزاني ). حزب (الاتحاد الديمقراطي pyd)، رغم حداثة نشأته( 2003)، يُعد اليوم اقوى الأحزاب الكردية السورية. بات له جيش قوي وقوى امنية ومجتمعية ومنظمات وهيئات اقتصادية وإدارية، يدير المناطق الخاضعة لسيطرته "إدارة ذاتية" وفق عقلية "الحزب القائد"، بمشاركة شكلية من بعض الأحزاب والمنظمات الكردية ومن ابناء القوميات الأخرى(عربية، آشورية، ارمنية ). تصريحات بعض القياديين في حزب الاتحاد الديمقراطي " من لا يعترف بالإدارة الذاتية عليه أن يبحث عن وطن آخر له"، تعيد الى الاذهان المقولات العنصرية لحزب البعث " من يعارض المشروع العربي الوحدوي، يجلى عن الوطن العربي". حزب( pyd) يُعد الفرع السوري لـ(حزب العمال الكردستاني- تركيا) ذات العلاقة الوثيقة مع حكم آل الأسد. هذه العلاقة مرت بمراحل فتور ونكسات في أواخر عهد الأسد الأب(إبعاد زعيم الحزب عبدالله أوج آلان عن سوريا، لتعتقله السلطات التركية شباط 1999). لكن، على قاعدة تقاطع المصالح والعدو المشترك(تركيا)، سرعان ما دخلت العلاقة بينهما في "شهر عسل" جديد، مع انطلاق حركة الاحتجاجات الشعبية المناهضة لحكم الأسد الابن بشار آذار 2011. انسجاماً مع عقيدته اليسارية، المطعمة ببعض مبادئ ومفاهيم الليبرالية الغربية، اعلن حزب الاتحاد الديمقراطي عن تخليه عن ما يسمى بـ"كردستان سوريا أو غرب كردستان/روج آفا" لصالح مشروعه الأممي" الأمة أو الأمم الديمقراطية". هذا التحول في استراتيجية الحزب،يفسر تمدده العسكري في الجغرافيا السورية، متجاوزاً الخرائط العرقية/الديمغرافية/السياسية لأكراد سوريا. على الضفة الأخرى من النهر السياسي الكردي، الشبيه بمساره بـ"نهر العاصي"، يتخندق (المجلس الوطني الكردي)،يضم أقدم الأحزاب الكردية السورية، وثيق العلاقة بمسعود البرزاني وحزبه، الى درجة الاقتداء بهما، فكراً ونهجاً. المجلس الكردي متمسك بـ" أكذوبة كردستان سوريا". لديه القابلية للتخلي عن سوريته، لصالح كردستانيته. يسعى لـ "كانتون كردي" في الشمال الشرق السوري، كما هو الحال في الشمال العراقي.
رغم الشكوك باستقلالية القرار الكردي أصلاً، تتمحور الخلافات بين الكتلتين الكرديتين بشكل اساسي حول ( القرار السياسي والعسكري لأكراد سوريا). في دول ومجتمعات المشرق الاسلامي، لا يمكن الفصل بين القرار العسكري والقرار السياسي. بمعنى آخر، الذي يمتلك السلاح يملك القرار السياسي. الأكراد ليسوا استثناءً عن هذه القاعدة المشرقية. حتى الآن، نجح الاتحاد الديمقراطي(pyd) في امتلاك " القرار العسكري" باحتكار "البندقية الكردية" وفي فرض نفسه "سلطة أمر واقع" في المناطق الخاضعة لسيطرته. القوة العسكرية الـ pyd، وقد تنامت وانتشرت بشكل مثير في الجغرافية السورية وهي تحظى بدعم ومساندة محلية واقليمية ودولية، عززت موقع ومكانة الحزب ليس في الساحة الكردية فحسب، وإنما في الساحة السورية أيضاً. هذه القوة ستساعده على احتكار ومصادرة (القرار السياسي ) لأكراد سوريا. خاصة وقد أخفق غريمه(المجلس الوطني الكردي) في ادراج قضية الأكراد السوريين كقضية وطنية على جدول أعمال مفاوضات جنيف بين وفود المعارضات ووفد النظام.
بالنظر للاحتقان السياسي في المجتمع الكردي، سرعان ما القت معارك سنجار، التي بدأت في أوائل آذار الماضي بين" وحدات حماية سنجار" من جهة، وبين ما يسمى بـ "بشمركة روج آفا" من جهة أخرى، بظلالها الثقيلة على الأكراد السوريين. على وقع هذه المواجهات، شهدت مدينة القامشلي السورية تظاهرات كردية مناهضة لرئيس إقليم "كردستان العراق" مسعود البارزاني، وحصلت عمليات خطف واعتقال لناشطين اكراد واعتداء على مكاتب بعض الاحزاب الكردية في (المجلس الوطني الكردي). انتهاك الحقوق والحريات السياسية طال مكاتب(المنظمة الآشورية الديمقراطية) في الحسكة والمالكية. المجلس الوطني الكردي في بيان له أدان واستنكر هذه الاعمال والتعديات وحمل PYDالمسؤولية ويتهمه بالتنسيق مع النظام السوري بالتآمر على قضية أكراد سوريا والعمل على خدمة أجندته، ويتهم قواته الأمنية( الأسايش ) بممارسة اعمال ارهابية بحق ناشطيه. في هذا السياق، يرى السياسي الكردي المعارض ( عبد الباسط سيدا)، في سياسات حزب الاتحاد، سبباً بهجرة مليون كردي سوري، منذ اعلان الادارة الذاتية الكردية. المجلس، يرى في مواجهات سنجار "خطوة استباقية" من ال pyd لقطع الطريق على اي محاولة لإعادة قوات "بشمركة روج آفا" إلى سوريا للدفاع عن الأكراد والقتال الى جانب فصائل "الجيش الحر" ضد جيش النظام السوري حتى إسقاطه. بينما ال pyd يعتبر الهجوم على قوات حماية سنجار،المدعومة من (حزب العمال الكردستاني PKK)، "مخطط تركي" بأداة كردية، يهدف الى محاصرة (وحدات حماية الشعب – القوة العسكرية ل pyd) في سوريا وتفجير صراع كردي- كردي. كما هو معلوم، ال pyd يرفض وبقوة دخول قوات" بشمركة روج آفا" الى سوريا، المؤلفة من أكراد سوريين فروا للشمال العراقي دربتهم بشمركة حكومة البرزاني، تُعد "الذراع العسكري" لـ(المجلس الوطني الكردي) اللصيق بـ"حكومة مسعود البرزاني". الى تاريخه لا يبدو هناك قرار سياسي لدى القوى الكردية السورية المتخاصمة بالمواجهة العسكرية الحاسمة. لكن المواجهة بين الميليشيات الكردية قد تكون حتمية، إذا ما أصر المجلس الوطني الكردي على إدخال قواته الى المناطق التي يسيطر عليها حزب الاتحاد الديمقراطي، من دون موافقة القيادة العسكرية والسياسية في حزب pyd. فعندما تتعدد البنادق بمرجعيات واجندات مختلفة في ساحة واحدة لا بد من ان تتصادم هذه البنادق. 
أخيراً: أن تتفاقم الخلافات والتناقضات السياسية داخل البيت الكردي الى درجة التصادم المسلح، وعيون العالم على الأكراد وقضيتهم، تطرح أكثر من تساءل حول المستقبل السياسي للأكراد، وتثير الشكوك بقدرتهم على تحقيق كيان قومي خاص بهم يوحدهم تحت سلطة سياسية كردية واحدة. 
سليمان يوسف يوسف.. باحث سوري مهتم بقضايا الأقليات
[email protected]