التصريحات التي أطلقها وزير الدفاع الأمريكي (جيمس ماتيس) حول إيران، عشية زيارته للمملكة العربية السعودية، مؤخرا، وتصريحات وزير الخارجية الأمريكي (ريكس تيلرسون) في ذات الموضوع، ثم إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نيته في مراجعة الاتفاق النووي الذي أبرمته الإدارة الأمريكية السابقة للرئيس باراك أوباما؛ كلها مؤشرات إلى توجه استراتيجي جديد لإدارة ترامب حيال إيران.

معروف أن الاتفاق النووي الذي أبرمته إدارة أوباما ومجموعة 5 + 1 مع إيران في العام 2015 لم يتطرق في بنوده إلى ملف إيران ودورها في الشرق الأوسط، الأمر الذي بدا للمراقبين بمثابة الضوء الأخضر في عدم مسائلة إيران عن سياساتها في المنطقة العربية . اليوم تبدو القضية معكوسة تماما، إذ أن رؤية الخارجية الأمريكية في الإدارة الجديدة ترى في إعادة النقاش وفتح ملف الاتفاق النووي مع إيران شكلا من أشكال الضغوط على إيران لإعادة ضبط سياساتها الفوضوية في الشرق الأوسط، ولما ظلت تسببه تلك السياسات من عدم الاستقرار واللعب بمصائر أكثر من 3 دولة عربية في الإقليم.

ومع تواتر التصريحات التي تأتي من أركان الإدارة الأمريكية حول إيران يبدو واضحا أن هناك ترتيبات وسياسات جديدة في جعبة الإدارة الجديدة، ولا سيما أن الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب، يعكس في تصرفاته اهتماما كبيرا بالوعود التي قطعها أثناء حملته الانتخابية. وإعادة النظر في الاتفاق النوي مع إيران كان في أجندة تلك الوعود.

لطالما أدرك كثير من المراقبين سلوك إيران على مدى عقود في علاقاتها مع الإدارات الأمريكية المتعاقبة في البيت الأبيض.

فإذا ما وصلت إلى البيت الأبيض إدارة جمهورية متشددة، ينعكس ذلك في سياسات إيران الخارجية، فتظهر الدعوات إلى الحوار والتفاهم بين إيران ودول الجوار كالمملكة العربية السعودية في مواجهة الولايات المتحدة، كما يظهر، من ناحية أخرى، اللعب بالأوراق السرية التي تحتفظ بها إيران لمواجهة الإدارة الجمهورية المتشددة من وراء حجاب ؛ كتحريك ملفاتها

السرية مع داعش والقاعدة لزعزعة الاستقرار في المنطقة بعيدا عن تدخلاتها الظاهرة، وكذلك استخدام نفوذها في العراق بما يتعارض مع الخط العام للحكومة العراقية وعرقلة التنسيق بينها وبين الولايات المتحدة في أجندة مكافحة الإرهاب في العراق.

وهذا كله مما رأينا نماذج منه في الأسابيع السابقة حين دعت إيران إلى حوار مع المملكة العربية السعودية لحل قضايا الخلاف بينهما، وكذلك في الحوادث الإرهابية المتنقلة في المنطقة العربية وتعزيز وتيرتها عبر نشاط القاعدة والدواعش، إلى جانب تعيين سفير جديد مقرب من الجنرال قاسم سليماني في العراق، وزرع الخلاف بين الحشد الشعبي في العراق والحكومة العراقية.

في الملف اليمني مثلا، في عهد إدارة الرئيس أوباما، كان الحوثيون في اليمن بإيعاز من إيران، يطلقون الصواريخ الباليستية (إيرانية الصنع) على المدن السعودية، أما منذ مجيئ إدارة ترامب الجمهورية المتشددة صرنا نسمع في الأخبار أن الصواريخ الباليستية تطلق من طرف الحوثيين نحو ميناء المخا، أي داخل الحدود اليمنية للحرب.

ويبدو أن الإدارة الأمريكية الجديدة عازمة على الضغط على إيران للانسحاب من ملفاتها الساخنة في المنطقة العربية من خلال تهديدات حقيقية تدرك إيران حق اليقين مدى جديتها، ولاسيما من طرف الإدارات الجمهورية.

كذلك لم تكن دعوة إيران للمملكة إلى الحوار، سوى تبريد مزيف من أجل كسب الوقت . وهذا ما أدركه الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد النائب الثاني وزير الدفاع، عندما سحب البساط من دعاوى إيران المخادعة، وأعلن مؤخرا من واشنطن بعد لقائه بالرئيس ترامب: أن إيران هي الخطر الحقيقي والسبب الأكبر في زعزعة الاستقرار في المنطقة العربية.

ربما كانت الفرصة مواتية للعرب، كي يمارسوا ضغوطا على إيران عبر أكثر من ملف (الأحواز مثلا) . كما أن الضربة الأمريكية التي أمر بها ترامب في مطار الشعيرات السوري إثر الهجوم الذي شنه النظام السوري على بلدة خان شيخون كان إيذانا بتغيير ما في سياسة الولايات المتحدة حيال القضية السورية، وهذا ما ستكشف عنه الأيام لاحقا .