تفحص ماحدث في اربعة عشر عاما يفضي الى يقين بأن مايجري في العراق ليس فسادا يؤدي الى تحطيم بنى تحتية وتخريب إقتصادي ومالي وفكري وإعلامي، أو إشاعة مناخ العصابات والفوضى والصراعات الدموية وعسكرة المجتمع تحت عناوين الميليشيات والجماعات المسلحة والخارجين عن القانون.
ما يحدث في العراق هو إفشال ومصادرة أي مشروع لبناء الدولة العراقية الجديدة التي تأسست بعد 2003، أي الدولة المدنية الديمقراطية، الأمر أدركه بعض العقلاء المتعمقين بقراءة الآخر(المحتل بتعدد مسمياته )، لكن غالبية السياسيين الحاكمين الذين حذفت بهم الصدفة والصفقات الطائفية وجداول حسابات المحتل ومشاريع النصب والإحتيال الدولي، لم تكن لهم قدرات فاعلة سواء في معرفة المخبوء أم في الإنتماء الوطني، لذا صاروا،لقاء منافع شخصية ومناصب وصفقات مليونية، جزءا ً من لعبة تدمير وطن وإبادة شعب، وتمزيق وحدته وهدر تاريخه وتكوينه الجغرافي أيضا ً.

الخلل بنيوي ويكمن في دستور تم سلقة على عجالة فجاء مبشرا بغرس أسباب الفرقة وأعطى موجبات لهذا التشرذم الذي أختصر دولة وشعب بمكونات متجه لثقافتها الفرعية، تاركا ماهو وطني وأي ثقافة تتجاوز آثار الماضي ومساوئه نحو مستقبل يكفل المساواة والعدالة والحق للجميع.
المتصدون للسلطة من الأحزاب السياسية أصبحوا عناوين مخزيةً للفساد والتابعية والإستفراد، والتمثيل الفاشل لدكتاتورية لايملك مقوماتها الموضوعية ولاالشخصية، فأضاع ثلث العراق تحت سيطرة عصابات " داعش " بعد أنتشار مستعمرات فساد لامثيل له في التاريخ، بمشاركة أحزاب سنية أنطوت على محور الصراع من أجل النفوذ والمال والسلطة ومرحت كثيرا ً على مدارج الفساد أسوة بالأحزاب الشيعية، الى جانب أحزاب كردية أحترفت الخبرة والإندفاع لبناء تجربتها الذاتية القومية على نحو براجماتي، مدخرّة للقوة بكل عناصرها وتنوعاتها بعيداً عن مشكلات العراق وفوضاه، واقع يغيب فيه التمثيل الواسع للقوى الليبرالية والديمقراطية المعتدلة، جراء التخندق الطائفي الذي استغل الغالبية الجاهلة من الشعب.

واقع استحكمت به إرادات الدول الخارجية بوضوح لايحتاج إجتهاد، إضافة لأمريكا طبعا ً، واقع له مغذيات وروابط تبدأ من شروط النمو الإقتصادي لدول المنطقة مرورا ً بالتابعية السياسية والطائفية واقطابها المتحكمة بالشرق الأوسط، وبقايا ثأرالإنتقام من عراق قوي كان يهابه الجميع، وصولا لأمن اسرائيل وتفوقها في المنطقة..!؟

لحظة تاريخية بغيضة تجمعت فيها كل عناصر تحطيم الدولة العراقية، دون إدراك قادتها السياسيين المتحكمين، واذ تتكرر عمليات التفجير وقتل الجمهور العراقي في مجازر يومية وبتحدي صريح وتأثير أقوى، فهي رسالة وجود مناهض ومؤثر لضرورة الإذعان لشروط الآخر، وللخلاص من الإذعان والتنازل أو الضياع التام والتمزق الأخير، اقترح ان يجتمع " قادة " العراق الآن من كافة الأحزاب المتسلطة، ومواجهة القوى النافذة بالمشروع العراقي بأسئلة صريحة واقعية تختصر الخسارات الكبرى وتخلص هذا الشعب من الإبادة.
أسئلة مفادها؛ ماذا تريدون منا، وأين تريدون الوصول، لنحققه لكم اليوم قبل الغد ؟

أحملوا اسئلتكم الى امريكا وايران وتركيا والسعودية وقطر، ليضعوا لكم خارطة طريق من الآن إختصارا ً لهذا الذبح الممنهج والدمار الشامل للوطن، والملايين التي تشردت وتهجرت، النساء التي اغتصبت، الطفولة التي سحقت، والمفخخات التي تصطاد مئات الأبرياء.!؟
كونوا شجعانا وشرفاء لمرة واحدة وانقذوا وطن يشارف على الفناء.

[email protected]