بعد مُضي 14 عاماٌ على تغيير النظام في العراق أدرك الكرد في اقليم كردستان انهم داخل فخ الدستور من خلال تعطيل الحكومة المركزية للمادة 140 في الدستور العراقي التي تتحكم بكيفية حق تقرير المصير واستقلالهم وتملصها من حل المناطق المتنازع عليها، مما جعل من قيادة اقليم كردستان باتخاذ موقف جريء واصدار قرار الاستفتاء حول الاستقلال بتاريخ 25-9-2017، الامر الذي اصاب بعض الدول بالهلع من خلال تصريحات مسؤوليها بانه خطأ فادح وتوقيته غير مناسب، متناسين بان هذا الشعب وعلى مر العهود قدم التضحيات بمئات الالاف من الشهداء في عهد الانظمة الديكتاتورية وبالتحديد من نظام الملالي في طهران ونظام البعث والعثمانيين على حد سواء.

بالعودة لخلفيات الفخ الذي وقع فيه الكرد اثناء وضع دستور فدرالي للعراق لن يفيد ابداٌ، لكن الخروج منه أسهل بكثير من البحث في حيثياته، وهذا ما فعلوه من خلال التوجه للاستفتاء، فمبدأ تقرير المصير جزء من ميثاق الامم المتحدة وهو ليس توصية، وقد ورد المبدأ في عدد من المعاهدات الدولية، حيث أشير إليه في ميثاق المحيط الهادي الموقع عام 1954 وفي بيان مؤتمر باندونج الصادر في ابريل 1955، وإعلان مؤتمر القاهرة لدول عدم الانحياز الصادر عام 1964. وقد أيدته الولايات المتحدة الأمريكية وعدد كبير من الدول، كما أكدت الجمعية العامة في القرار رقم 2787 عام 1972 حق الشعوب في تقرير المصير والحرية والاستقلال وشرعية نظامها بكل الوسائل المتاحة لها والمنسجمة. وفي قرارها رقم 3970 عام 1973 طالبت الجمعية العامة من جميع الدول الأعضاء الاعتراف بحق الشعوب في تقرير مصيرها واستقلالها وتقديم الدعم المادي والمعنوي.

ومع كل هذا قدمت القوى الكردستانية للشعب العراقي ولدول الجوار كإيران وتركيا وسوريا تضحية كبيرة ما زال الكثيرين يتجاهلونها، وهي حقيقة لا جدل عليها، فمن خلال الوقائع التي جرت عند انهيار النظام العراقي عام 2003 بكافة مؤسساته واركان الدولة لم يقم الكرد باعلان دولتهم رغم الفرصة السانحة من كافة الجوانب، فبمجرد اعلان الكرد لدولتهم حينها بعد سقوط العراق كانت الطوائف والمذاهب جميعها دون استثناء ستعلن عن كيانها الخاص كلا حسب جغرافيته وتواجده ومدى قوة السلاح والاجندات الخارجية التي تدعمهم،وبكل تأكيد كانت النتيجة ستكون مكلفة للمنطقة برمتها، وخلق حالة فوضى ونزاعات وتطرف واسع، وهذا ما يؤكد عظمة وشهامة الاكراد اذ انهم ورغم جميع تضحياتهم والظلم الذي لحق بهم قاموا بتأجيل إعلان الاستقلال في سبيل توفير الامن والامان والسلام لباقي اجزاء

العراق ودول الجوار، ومن جهة اخرى عدم احراج الادارة الامريكية والبريطانية ووضعهم في موقف خارج اطار ما رسموه لخارطة الشرق الاوسط الجديد حسب المكان والزمان المناسبين، وكانت النتيجة انهم وقعوا في الفخ الدستوري الذي يستغله نظام الملالي في ايران والدولة التركية بين الحين والاخر بطلبهم للقوى الكردستانية بالعودة الى الحكومة المركزية في بغداد للتفاهم دستوريا، ومن المؤكد ان ايران باتت تعلم جيدا بان ذاك الفخ لم يعد يفي بالغرض من خلال تمنع حكومة بغداد عن الالتزام بواجباتها من دفع رواتب قوات البيشمركة وتوقفها عن اعطاء استحقاقات الشركات العالمية التي عملت في مسألة التنقيب عن النفط داخل الاقليم وانهائها تلك العقود دون الرجوع الى اللجنة المختصة فيما بين الطرفين، لذلك بدأت بدعم ميليشيات الحشد الشعبي بقوة للوقوف في وجه الكرد من خلال ارسالهم الى المناطق القريبة لشنكال وعلى الحدود القريبة بين موصل واربيل وكركوك، والالتفاف حولهم من جهة اخرى عبر دخولهم للمناطق الكردية في سوريا، اما على الصعيد السياسي والمراوغة فقد باتت في الآونة الاخيرة تُحرك ملف الخلاف القائم بين حركة التغيير ( كوران) والحزب الديمقراطي الكردستاني لاستمرار تعطيل البرلمان وبالتالي عرقلة العملية القانونية للاستفتاء، وهذا ما يجب ان تدركه قيادة حركة التغيير وتعود الى صف وحدة الموقف تحت رئاسة البرزاني للخروج الى بر الامان واعلان الاستقلال، وميثاق الامم المتحدة هو مفتاح الاستفتاء ولم يبقى سوى رص الصفوف ليعيش هذا الشعب حراٌ وآمناٌ كباقي شعوب العالم.

زيد سفوك - كاتب سياسي كردي