استغرب كثيرون من اعلان رئيس الوزراء الاردني الدكتور هاني الملقي الحرب علي الجمهورية العربية السورية ضمنيا، علما ان الاردن في كل تصريحاته لم يذكر يوما انه في حالة حرب معها او مع غيرها من الدول العربية، بل ينكر ذلك.

و لقد نشر تصريح رئيس الوزراء الاردني بهذا المعني و تم فهمه بناءً علي مفردات استخدمها الرئيس، وتصدر مانشيت جريدة اردنية ناطقة باللغة العربية عنوان رئيس “ الملقي: قواتنا في حالة حرب “و آيضا جريدة الجوردان تايمز الناطقة بالانجليزية تصدرها خبر مشابه، مع العلم انه نجل رئيس وزراء الاردني الاسبق الدكتور فوزي الملقي ذو الاصول الشامية الطيبة (بلاد الشام تاريخيا قبل التقسيم هي: سوريا، لبنان، الأردن، فلسطين) و التي استفادت الاردن لاحقامن خبراته اولا، و ليس له اي حق دستوري بصفته رئيسا للوزراء في اعلان حالة الحرب ثانيا. 

ثم الحرب علي من؟ و لماذا؟ . اتمني من كل قلبي ان يكون الحديث “هفوة لسان” او “كذبة نيسان” متآخره.

حديث رئيس الوزراء واضح و مرتبط بالجمورية السورية و ليس منعكس علي الارهاب او القضاء علي داعش لا من قريب او بعيد، حيث أكد ان الاردن في حالة حرب منذ ست سنوات بسبب” الازمة السورية”.، و أن الاردن يحتاج الي مزيد من الاسلحة و المعدات” لتلك الحرب”. و اعتقد ان الجملة لا تحتاج الي توضيح اكثر من ذلك.

تم التصريح بذلك في لقائه مع وزيرة الدفاع الفرنسية، التي قسمت بلدها فرنسا سورية الكبري (بلاد الشام) الي دويلات، و كانت سورية تحت انتدابها لسنوات.

الوزرية الفرنسية فلورنس بارلي اثناء زيارتها المملكة الاردنية يوم ١٨ يوليو ٢٠١٧ اسمتعت لحالة “الحرب”، و لم تنف الخبر الحكومة الاردنية او الناطق الرسمي بأسمها و الذي كان حاضرا للاجتماع، أو يصدر تكذيب لاحقا من محرر الجريدة او اعتذار أن كان هناك خطأ في النقل و الترجمة في كلتا النسخ العربية و الانجليزية علي السواء، حيث المقصد الوحيد كان هو الحرب علي“ سورية” في الحديث.

و اقتبس هنا ما نشر: “قال رئيس الوزراء، هاني الملقي إن الازمة السورية ضاعفت من حجم الضغوطات على قواتنا المسلحة التي هي في حالة حرب و تاهب دائم منذ اكثر من 6 سنوات لتامين حماية حدودنا الشمالية والشمالية الشرقية مؤكدا ان حالة التاهب لقواتنا المسلحة لها متطلبات وتحتاج الى تدريب وتاهيل ومعدات واليات مما يشكل ضغطا على الموازنة لتامينها”. 
(*المصدر موقع خبرني الاردني 
https://www.khaberni.com/news/الملقي-قواتنا-في-حالة-حرب-201984 )

المعروف أن الحدود الشمالية هي سورية و الجولان المحتل، و لا اعتقد أن رئيس الوزراء كان يقصد الاردن في حالة حرب لأجل “الجولان “ ضد اسرائيل!!!.

وفي موقع الجريدة الانجليزية، الجوردان تايمز،النص يقول: ” وأشار الملقي إلى أن الأزمة السورية ضاعفت من الضغط على الجيش العربي الأردني - الجيش العربي الذي ظل في حالة "حرب" لمدة ست سنوات ويحتاج إلى مزيد من التدريب والمعدات مما يزيد بدوره من الضغط على الموازنة العامة.( * المصدر جريدة الجوردان تايمز-عدد ١٩ يوليو ٢٠١٧).

كلتي الجريديتين نقلت عن رئيس الوزراء كلمة “حرب” state of war و لم تنقل كلمه حالة دفاع .

و الاغرب كيف آْعلن رئيس الوزراء “حالة الحرب” علما أن الدستور الاردني واضح في مواده وفي تحديد صلاحيات الملك، حيث المادة ٣١ من دستور الاردني تحصر اعلان الحرب بالملك فقط.
*المادة (33): 1 - الملك هو الذي يعلن الحرب ويعقد الصلح ويبرم المعاهدات والاتفاقات . ( المصدر الدستور الاردني لسنة 1952 و الذي هو الدستور المعدل لدستور عام 1946، و التعديلات اللاحقة).

هل كانت تلك سقطة من رئيس الوزراء تماثل عدم تذكره لعاصمة فلسطين “القدس” و حدود ١٩٦٧ اثناء مؤتمر صحفي في اول زياره له الي تركيا؟، أم أن الاردن حقيقة في حالة حرب سرية غير معلنة؟ .

ثم الاكثر غرابة أن الملك عبد الله الثاني لم يعلن في اي مناسبة ان الاردن في حالة حرب، بل قال في لقائة بمسؤولين اعلاميين في شهر ابريل من عام ٢٠١٧:
“أكد العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني أن الجيش الأردني لن يتدخل عسكريا جنوب سوريا، وذلك ردا على اتهامات الرئيس السوري بشار الأسد للأردن بالتحضير لعمل عسكري في الجبهة الجنوبية”.
(المصدر تلفزيون روسيا الان يوم ٢٦ ابريل ٢٠١٧ نقلا عن وكالة الانباء الاردنية.)

وأضاف الملك عبد الله الثاني في لقائه مع وزراء اعلام سابقين و رؤساء تحرير صحف اردنية في نفس اليوم: نحن "مستمرون بسياستنا في الدفاع في العمق دون الحاجة لدور الجيش الأردني داخل سوريا”*
(* المصدر:السورية نت ٢٦ ابريل ٢٠١٧)

إذن هذا نفي قاطع من الملك عبد الله الثاني أن الاردن في حالة حرب مع الجمهورية السورية، فكيف يصدر تصريحا مثل هذا من رئيس الوزراء دون اي تعليق من مجلس النواب، من مجلس الاعيان، من الديوان الملكي، من الناطق الرسمي، من الصحافة المحلية و الكتاب حيث الجميع التزم الصمت.

فهل الصمت يعني “الموافقة” علي ما صدر من رئيس الوزراء، وأن الاردن في حالة حرب مع الجمهورية السورية بعكس ما صرح به الملك؟ اليس ذلك منطقا غريبا يحتاج الي توضيح؟

ثم اذا كانت الحرب تتسبب في ازدياد مرهق لموازنة الدولة و تنهكها، فهل بالامكان ان تعلن الحكومة الاردنية عن اسباب الحرب علي سورية اولا ثم الكلفة الحقيقية لتلك لحرب؟، و تعلن ايضا ما تم صرفه فعليا علي المعدات العسكرية و غيرها من المصاريف العسكرية خلال ست سنوات فيما يختص بالازمة السورية؟ و ما هو مقترح صرفه الي انتهاء حالة الحرب؟ و هل مجلس النواب الاردني علي علم بتلك المصاريف و موافق عليها او تمت مناقشة ميزانيتها العسكرية؟. هل بآلامكان اعلان “ايقاف الحرب”؟

ثم الادهي كيف تخصص اموال لعلميات حربية عسكرية و الملك عبد الله الثاني لم يعلن الحرب؟ منطق غير مقبول. 

اذا اعلن الملك الحرب وقتها الموقف مغاير تماما، و لكن الملك لم يعلن اي حالة حرب رسميا و لا يوجد اي كتاب ملكي او مستند خطي دستوري يثبت ان الاردن في حالة “حرب”، فمن اين آتي رئيس الوزراء بكلمة “ الاردن في حالة حرب؟

اسئلة محيرة و مقلقة في نفس الوقت أن لم تكن مفاجأة و مفزعة، تدل علي عدم دراية رئيس الوزراء و حنكته في اختيار كلماته ووصفه للحالة بدقة “وزير دفاع”.

ولكن اذا فعلا الاردن في حالة حرب كما صرح رئيس الوزراء، الا يتطلب ذلك مكاشفة الشعب و اتخاذ تدابير تقشفية و تآمين المدن الاردنية و تعميم حالة التعبئة النفسية عوضا عن اقامة مهرجان غنائي في جرش او حفل لمطرب في العقبة بالاف الدنانير؟ او غيرها من مظاهر ترف الافراح و حفلات الاطعام و احتفاليات مليونية.

لست ضد الثقافة او الغناء، علي العكس تماما، و لكني اتسائل مثل كثيرين غيري، اذا كان الاردن في حالة حرب فعلا كما صرح رئيس الوزراء الا يعني ذلك شروط و ظروف و متطلبات و سياسات و موازنات مختلفة عن حالة السلم؟، الا يتطلب الوضع اغاني وطنية مثلا لشحن الهمم؟ الا يعني ذلك ان الاردن السياسي بحكومته يعيش في حالة انفصام شخصية؟، هنالك عشرات الاسئلة التي تحتاج الي اجابات و اعلام حر و مكاشفة.

اين ابجديات السياسة و رجالاتها؟ اين مفرداتها في قاموس رئيس الوزراء الذي يتعثر كل يوم، و الي متي علي الاردن ان يتحمل ويواكب تلك العثرات، الا يكفيه “معارك”.

[email protected]