اذا كان استقلال اقليم كردستان يشكل خطرا داهما على ايران واستراتيجيتها التوسعية في المنطقة ويمثل تحديا صارخا لوجوده في العراق، فانه يمثل مجالا حيويا مهما لتركيا، ومعبرا تجاريا يدرّعلى الدخل القومي التركي مليارات الدولارات (وصل الحجم التجاري بين تركيا واقليم كردستان في السنوات السبع الماضية الى اكثر من عشرة مليار دولار)، ناهيك عن وجود الاف الشركات التركية في مجال البناء والاعمار والجسور والاستثمار في الاقليم، والعلاقة السياسية والعسكرية بين الجانبين اكثر من ممتازة وهي في تصاعد مستمر، وقد لعب رئيس اقليم كردستان(مسعود البرزاني) دورا بارزا في تقريب وجهات نظر الحكومة التركية وحزب العمال الكردستاني التركي المعارض و ساعد في ترسيخ السلام وتكريس الهدنة بين الجانبين لفترات طويلة..
واذا كان اقليم كردستان يمثل لتركيا موطيء قدم راسخ وجدار واقي يحمي حدودها الجنوبية من خطر ايران وثورتها الطائفية، وهويمتلك قوة عسكرية "سنية" منظمة "البيشمركة" وقوية يمكن التعويل عليها لمواجهة ميليشيا "الحشد الشيعي" الموالية لايران والتي طالما هددت النفوذ التركي في مدينة الموصل والمناطق السنية من العراق تهديدا مباشرا، فهل يمكن لتركيا ان تستغني عن هذا المجال الحيوي الاستراتيجي والسور المنيع امام الزحف التوسعي لايران وميليشياتها بسهولة؟ وتعقد اتفاقا عسكريا معها لضرب الاقليم على خلفية اعلانه اجراء استفتاء جماهيري لتقرير المصير وتشكيل دولته المستقلة؟! وحتى اذا اعلن اقليم كردستان عن دولته المستقلة وانفصلت عن العراق، فانه سيبقى يشكل اهمية استراتيجية قصوى بالنسبة لتركيا ويعتبر الحليف السياسي والاقتصادي الاهم لها في المنطقة والتفريط به سينهي دور تركيا في المنطقة نهائيا لصالح النفوذ الايراني.
سقت هذا الكلام بمناسبة زيارة رئيس هيئة الاركان العامة للجيش الايراني (محمد حسين باقري) الى تركيا في 16 اغسطس الفائت لبحث مسألة الاستفتاء الكردي المزمع اجرائه في 25 سبتمبر المقبل بشكل خاص ومسائل اخرى تتعلق بالحرب في سوريا ومسلحي حزب العمال الكردستاني المعارض مع نظيره التركي "خلوصي آكار"والمسؤولين الامنيين العسكرين الاتراك في اول زيارة لمسؤول عسكري ايراني كبير لهذا البلد منذ اندلاع الثورة فيهاعام(1979)، وبحسب المراقبين فان الدولتين بصدد عقد اتفاق "يضمن للإيرانيين تعاوناً تركياً للحد من طموحات رئيس إقليم كردستان العراق"مسعود البرزاني" الانفصالية، التي ستصبح غير ممكنة في حال تم إغلاق نافذة أربيل التركية الوحيدة على العالم" وهذا يظهر جانبا من المهمة التي زارمن اجلها رئيس اركان الجيش الايراني الى تركيا، وفي حال تحركت تركيا بهذا الاتجاه وفق الاتفاقية واغلقت حدودها مع اقليم كردستان، وفرضت حصارا عليه، فان ايران بالمقابل ستتخلى عن دعمها لحزب العمال الكردستاني التركي المعارض وتغلق حدودها امامه، فانها بذلك سترتكب اكبر خطأ استراتيجي في تاريخها الطويل وستتعرض شعوبها الى اكبر عملية تصدير للثورة الطائفية وخاصة ان "العلويين" وهم طائفة يغلب عليهم الطابع الشيعي، وتشكل نسبة لابأس بها من شعوبها(بين %15ــ %16من مجموع سكان تركيا، بحسب بعض تقديرات الخبراء).
... فمن مصلحة تركيا الحيوية ان تؤيد اقليم كردستان لموقعه المهم، سواء ظل اقليما فدراليا ام دولة مستقلة وتدعمها كما لوكان امتدادا حيويا لها، لانه يشكل فضاءا استراتيجيا ومجالا حيويا لامنها القومي، التفريط به لصالح بعض مواطيء اقدام جانبية في سوريا، سيكلف تركيا غاليا وستخرج من العملية خاسرة .. بكل تأكيد!
- آخر تحديث :
التعليقات