ربما لا يضيف من يكتب عن موضوعة التعليم في الوطن العربي شيئا جديدا عندما يكرر نفس الاقوال والاراء التي ما انفكت ليلا نهارا تدعو الى التنبه الى ضرورة بذل جهود حقيقية وفعالة تسهم في رسم استراتيجية واضحة المعالم لها اهداف قابلة للتحقق وترتبط بسقوف زمنية محددة تخضع للمراجعة والفحص والتقويم المستمر بهدف الاهتمام بمنظومة التعليم في العالم العربي .
ومع توالي تقارير التنمية الإنسانية الصادرة عن المنظمة الدولية وكذلك البنك الدولي الذي اشار في تقرير له الى تخلف مستوى التعليم لدينا بالمقارنة الى مستواه في بلدان أمريكا اللاتينية واسيا فحذر التقرير من ان الأمر بحاجة الى اهتمامات عاجلة لعلها تسهم في وضع حد لارتفاع معدلات البطالة الناتج عن تدهور نوعية التعليم في العالم العربي حيث تضاف في كل سنة فرق من العاطلين الى ملايين الباحثين عن فرصة عمل في سوق لم يعد ملائما لتلبية متطلبات النمو في القطاعات الاقتصادية المتنوعة سيما اذا ما صرنا نلحظ في السنوات الاخيرة ظاهرة خطيرة الا وهي تنامي بطالة الخريجين من حملة الشهادات الجامعية بل ربما يصل الامر في بعض البلدان العربية الى رؤية احتجاجات لحملة الشهادات العليا من درجات الدكتوراة والماجستير مما يكشف لنا عن وجود فجوة حقيقية في سياسات التعليم وخللا فاضحا في الخطط التعليمية التي تزين مؤتمراتنا وندواتنا التربوية وهو ما نسميه باستراتيجيات التربية والتعليم وورش التطوير وغيرها من الممارسات التي نسمع عنها في وسائل الاعلام من غير ان نرى لها أثرا على ارض الواقع كما هو حال الامة في منظماتها الاقليمية والمتخصصة منذ اكثر من خمسين سنة خلت حيث وصف احد المشاركين في هذه المنتديات والمؤتمرات بان مفعولها ينتهي بأنتهاء الاقامة الفندقية للضيوف وربما يصل الأمر الى حد ان المشاركين في هذه الملتقيات والمؤتمرات التي تدعو الى آلاف التوصيات انهم يتركون هذه الوثائق والتوصيات في ردهات الفنادق وقاعات النقاش ؟؟
اذا كان هدف مؤسساتنا التعليمية فقط تخريج العاطلين فهذا لوحده ينذر بكارثة مجتمعية كبيرة مما يسهم في تفاقم التحديات والاخطار المحدقة بالمجتمعات العربية ويدفع الى ارباك خطط التنمية وافراغها من اي محتوى ايجابي لتصبح عملية عقيمة وعبثية تصل الى حد طرح السؤال المقلق اذن ما هي الفائدة من برامج وخطط تربوية تملأ الادراج ؟
وهنا يشير تقرير البنك الدولي الى تحقيق كثير من الخطوات الجيدة حيث استفاد معظم الاطفال من اقرار قوانين مجانية والزامية التعليم الاساسي وتقلص الفجوة بين الجنسين في التعليم لكن اغلب البلدان العربية لا زالت متخلفة عن كثير من الدول الناشئة ويضيف التقرير ان المنطقة لم تشهد نفس التغير الايجابي فيما يتعلق بمكافحة الأمية ومعدل التسجيل في المدارس الثانوية ومع الاشادة بتحسن معدلات انخراط الاناث في المرحلة الاساسية من التعليم الا انه استدرك ان تلك الانجازات لا زالت أقل من مثيلاتها في بلدان اخرى تمتلك مستويات مشابهة من الموارد .
في حقيقة الموضوع ان ما تذكره كل التقارير الدولية عن ارقام مخيفة من ارتفاع نسبة الامية وتدهور نوعية التعليم وضعف المناهج ونقص تدريب المعلمين لكن اسباب اخرى ايضا لها تأثير مثلا فلا زالت طرق التلقين للتلاميذ والقائمة على التحفيظ من دون الفهم هي الوسيلة الازلية في معظم مؤسساتنا التعليمية هذه الهيئات لا تولي أي اهتمام بتنمية مهارات الطلاب في الاتصال والتواصل في حل المشكلات والالمام بتعلم اللغات الاجنبية والتي صار تعلمها واتقانها مهارة اضافية ووسيلة لا غنى عنها في الاستفادة من ثورة الاتصالات وعولمة سوق العمل الذي يشهد تطورات كبيرة في ظل تنافس معرفي وعلمي كبيرين .
كما ان نقطة مهمة يلفت النظر اليها تقرير البنك الدولي وهي مشكلة تسرب التلاميذ خلال مراحل التعليم بين الصف الخامس والسادس خصوصا بين الفتيات اللواتي يتركن الدراسة تحت ضغط عوامل اجتماعية بينما الفتيان يتسربون لدواعي الحاجة الى العمل لتأمين مورد مالي للعائلات التي تعاني من فقدان الاباء او نقص وسائل العيش والضمان الاجتماعي الا ان المشكلة المؤرقة هي في عدم ربط مخرجات التعليم بحاجات سوق العمل مما يخلق المزيد من البطالة بين القادرين على العمل ويضع عملية التنمية في مأزق حقيقي في عدم قدرتها من تلبية حاجات التنمية من الموارد البشرية المؤهلة .
وهذا ما يحمل النظم والبرامج التعليمية مسؤلية هذه الاختلالات الفاضحة ويشير التقرير ايضا الى ان غنى الدولة او فقرها لا يؤثر على المستوى التعليمي اذا ما تم ترشيد النفقات وتوجيهها الوجهة الصحيحة .
كما ان الثقافة الاجتماعية السائدة ودور الاسرة عوامل مهمة في مواصلة التعليم وتحقيق النجاح هناك بلدان عديدة تعاني من ويلات الحروب والنزاعات المدمرة وانطلاقا مما سبق نستطع القول ان الاهتمام بالتعليم في العالم العربي صار امرا ملحا وعاجلا .
التعليقات