خطاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الأخير أمام الجمعية العمومية في الأمم المتحدة، والذي وصف فيه صفقة الملف النووي الإيراني بإحدى أسوأ الصفقات التي أبرمتها الولايات المتحدة الأمريكية في تاريخها، أثار قلقا أوروبيا وإيرانيا واضحا. إذ من المحتمل أن يعلن الرئيس ترامب الشهر المقبل عن قناعته بتعارض استمرار الاتفاقية حول الملف النووي مع إيران مع متطلبات الأمن القومي الأمريكي لإغفال الاتفاقية لبرنامج إيران الصاروخي وسياساتها الإقليمية، الأمر الذي سيستدعي تلقائيا إحالة مصيرها إلى الكونغرس للتصويت عليها.

الأوروبيون عبروا ضمنيا على لسان مسؤولة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي فيديريكا موغريني عن رفضهم لأي محاولة أمريكية للإخلال بالاتفاقية مع إيران. يرجع ذلك إلى التزام إيران بتطبيق بنود الاتفاقية النووية، بحسب تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية الأخير بتاريخ 31/8/2017م، واحتدام الخلاف حول ما إذا كانت إيران قد انتهكت "روح" قرار مجلس الأمن رقم 2231 بإجرائها لتجارب على صواريخها الباليستية القادرة على حمل رؤوس نووية، مما عقَد كثيرا من مهمة ترامب بإقناع الدول الأوروبية بجدوى تمزيق الاتفاقية مع إيران.

بدوره، يستغل الرئيس الفرنسي إيمانيول ماكرون انشغال المستشارة الألمانية أنجيلا ميركيل بحملتها الانتخابية كي يطرح نفسه متحدثا باسم الاتحاد الأوروبي فيما يتعلق بالملف النووي الإيراني. حيث دافع الرئيس ماكرون في الجمعية العمومية للأمم المتحدة عن الاتفاقية وعن التزام إيران بها. لكنه، وفي محاولة منه لاستباق قرار الرئيس ترامب الشهر المقبل وإيجاد مخرج من أزمة وشيكة مع طهران، أقر بأهمية معالجة صواريخ إيران البالستية ومصير برنامجها النووي في مرحلة ما بعد انتهاء صلاحية الاتفاقية، وهو الأمر الذي ترفض طهران حاليا البت فيه. في المقابل، يعرض الرئيس ماكرون على إيران، كمكافأة ضمنية على قبولها التفاوض مجددا حول هذان الموضوعان، الاعتراف بدورها الإقليمي في سوريا عبر إشراكها في جولة جديدة من محادثات السلام العام المقبل على مستوى مجموعة الخمس الدائمة والقوى الإقليمية كصيغة بديلة عن محادثات أستانا.

معادلة الرئيس ماكرون للمنطقة قد تتناسب جيدا مع المصالح الأوروبية وحتى الأمريكية، والتي ترى في المواجهة الإقليمية الدائرة في سوريا قضية خاسرة بعد أن فرض الروس والإيرانيون والأتراك سياسة الأمر الواقع هناك. حيث لا تبدو أي من الدول الغربية مستعدة للتدخل لتغيير موازين القوى على الأرض ما دامت رقعة سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية في انحسار. في المقابل، يتصدر البرنامج الصاروخي لإيران مخاوف الدول الأوروبية والتي تخشى، مع كل تجربة تجريها إيران، من أن يعبر مدى الصواريخ الباليستية الإيرانية قريبا حدود القارة العجوز.

جميع السناريوهات المطروحة تضع دول الخليج في خانة الخاسر. فمن ناحية، قيام الرئيس ترامب بإشعال فتيل أزمة جديدة مع إيران من دون أي إشارة إلى وجود بدائل قد تلجأ لها الولايات المتحدة من أجل لجم جماح برنامج إيران النووي أو تغيير سياساتها الإقليمية، لا يصب في المصلحة الخليجية إطلاقا. من ناحية أخرى، معادلة الرئيس ماكرون أيضا تضرب بالمصالح الخليجية عرض الحائط، إذ أن الإبطاء من وتيرة برنامج إيران الصاروخي بمثابة تحصيل حاصل لا سيما وأن الصواريخ الباليستية الإيرانية يصل مداها إلى ما هو أبعد من مياه الخليج والجزيرة العربية، في حين قد يساهم الاعتراف بالدور الإيراني في سوريا من تعزيز دور طهران الإقليمي وكسر عزلتها على الساحتين الدولية والإقليمية.

بقلم،
حسن طارق الحسن
باحث بحريني وطالب دكتوراه بجامعة كينجز كولج لندن