1. الديمقراطية الحديثة و العصر الصناعي. 

يقسم التاريخ البشري الحديث الي عصور بدأت بالزراعة و الرعي و اختراع العجلة . عصور الفراعنة و بابل و سومر التي قامت علي ضفاف انهار هي النيل و الفرات و دجلة ثم عصر الصناعة الذي دخلته أوربا

بعد الثورة الفرنسية و اختراع آلة البخار و ازدهار الفن و النحث كشواهد لوحة المونوليزا الى الفكر السياسي و جان جاك روسو ، الي اختراع السفينة و مركبة الفضاء و حدوث خلخلة في النسيج الاجتماعي و تفكك روابط القبيلة و الأسرة الكبيرة و التحول من العقل الجمعي الي الفردانية و تأسيس مشروع الحداثة ..

نشأت الديمقراطية تزامنا مع العصر الصناعي 

و امتدت الى عصر المعلومات و الخدمات و الاستنساخ.. 

 ليصل العالم اليوم الى ما سوف يطلق عليه عصر الحكمة .

كل ذلك نتاج ثورة العقل فمجرد دخول الإنسان الي عصر الصناعة هاجر الإنسان من المزرعة تاركا الإقطاعية وحيدة بعد أن استعبدته لعقود متحالفة مع الكنيسة ، 

فالاقطاعي كان يملك الأرض و ما عليها من بشر 

و حجر و زرع .. لتأتي ثورة يقودها العقل يدخل بها الإنسان عصر الصناعة تاركا المزرعة متنقلا الي المدينة ليمارس العمل في ورشة حدادة و يسكن مع زملاء المصنع من مدن مختلفة ليتكون المقهى و حديث التنوع و تتشكل الثقافة فتحول الإنسان من الإقطاع و من الثقافة الساكنة ويدخل مجتمع المخاطرة الذي عبر عنه المفكر الألماني اولريش بيك يتدخل العقل من جديد في عصر الانترنت ليخرج الإنسان من سلطة و قمع الدولة البوليسية ليحيا في عالم افتراضي و عولمة تخاطب الجموع مباشرة دون رقيب ، من خلال الإنترنيت و مواقع ( السوشيل ميديا ) التواصل الاجتماعي محققا ثورة .. خلخلت المجتمع و الدولة الساكنة لتصبح في حالة سيولة و تكتسب لأول مرة تلك الشعوب حريتها لدرجة الفوضى ..و تتخلص من حكم ديكتاتوري لكنها تصتدم بغياب نموذج سياسي يتماشى مع ثقافتها و هويتها فهي لم تدخل العصر الصناعي اصلا.. 

 بل جاء النفط ليحقق نموا بدلا من التنمية و ليؤسس لثقافة استهلاكية تجعل البدوي يركب سيارته الألمانية و يتعامل معها كتعامله مع الجمل أو الحصان ، 

لقد دخل البدوي عصرا غير عصره متسلحا بثروة هائلة حققه له اكتشاف النفط ... و لم ينتقل بالتوازي الي مجتمع الحداثة الا من خلال المظهر و الديكور فاصبح كمن يلبس معطف الفرو في الصحراء الكبرى . 

ما أود التركيز عليه هو علاقة الديمقراطية الحديثة بعصر الصناعة و الديمقراطية بشكلها الذي نراه اليوم بدأ من مباديء المجنا كارتا في بريطانيا الي الثورة الفرنسية و الأمريكية . 

و اسباب تراجعنا عن ركب العالم لنطرح السؤال الجوهري و هو ، هل دخلنا عصر الديمقراطية دون دخولنا لعصر الصناعة المرتبطة اصلا بالصناعة يمكن ان يجعلنا دول ديمقراطية .... ؟ 

و هل نحتاج الي الدخول لعصر الصناعة من جديد.. أو ما هي النماذج السياسية التي تتماشى معنا او تتماهي مع نموذج الديمقراطية الحديثة التي قال عنها المفكر الأمريكي فرانسيس فوكوياما انها ثمتل نهاية التاريخ ؟

 

 أسئلة ستجيب عليها المقالة القادمة بعنوان ديمقراطية العصر الصناعي بقلمي .

 

2. مفهوم الحداثة و علاقتها بالنهضة . 

 

كنت و لازلت من اشد الناس 

تعلقا بالتعريفات باعتبارها 

تضع الاساس النظري للأشياء

 و الافكار . 

فمن وجهة نظري اعتقد جازما إن اي وجهة نظر لابد ان يكون لها اساس نظري تأسس و ترتكز عليه ؛ يصمد امام النقد و لا ينسفه اي رأي مغاير . 

 

فالحداثة مثلا التي وضع لها هيغل مفهوم واضحا حيت بدأ تعريفه لها انها : حركة تنويرية عقلانية مستمرة هدفها تبديل النظرة الجامدة للكون و الحياة و الأشياء الي نظرة اكثر تفاؤلا و حيوية.. 

و ظهرت مع عصر التنوير و العصور التي تشكل تجددا مستمرا و هي حركة نهوض و تطوير و ابداع هدفها تغير انماط التفكير و العمل و السلوك .

من اجمل التعريفات التي قرائها عن الحداثة هي للمفكر السعودي عبدالله الغدامي حيث يقول : 

ان الحداثة هي التجديد الواعي و ليس تجديد الطفرة.

باختصار الحداثة تعني مجمل التفاعلات التراكمية التي يدعم بعضها البعض و هي ذات تغييرات حاسمة بوتيرة سريعة أنتجت طفرة حقيقية في التطور الاقتصادي و الثقافي و الاجتماعي ؛ تقدمت بموجبها العلوم و التقنية و الانتاج و الخدمات تقدما واسعا ؛ و الواقع ان عصر التنوير هو مفتاح الحداثة و بابها الي العالم الجديد . 

ياتي الحديث المهم حول الاسلام و الحداثة فلقد وضع عصر النهضة الاسلامي اول اسس مشروع تحديث و تنوير و تطوير اجتماعي و اقتصادي و ثقافي شامل بدأ من القرن التاسع و حتي الثالث عشر الميلادي حدثت نهضة فكرية و ثقافية و اجتماعية قادها مفكرون مسلمون مثل الفارابي و ابن رشد و ابن باجة و التوحيدي و ابن مسكوية و ابن سينا و غيرهم ..و كان العرب و المسلمين يشكلون مرجعية ثقافية لمفكري اوربا حتي عصر النهضة فقد تأثر الاوربيين بالمفكرين و الفلاسفة العرب و المسلمين خصوصا الفارابي و ابن سينا و ابن رشد و حتي الكندي .. سمي بالعصر الذهبي للإسلام.

 فقد جسد هؤلاء المفكرين انفتاح علي العلوم الدنيوية العقلانية فكانوا يجمعون بين علوم القران و الفلسفة من دون الشعور بالحرج مكنهم ذلك من القدرة علي التطور و الابداع وصولا لعصر النهضة..