تشكل الانتخابات العراقية المقبلة نقطة جذب واهتمام إعلامي كبيرين، على صعيد العراق والساحة الدولية، وخصوصا تلك القوى العالمية المعروفة والتي تراهن على نجاح العملية السياسية في العراق، وخاصة نجاح إجراء الانتخابات البرلمانية في شهر مايو المقبل، باعتبار أن هذه النتيجة ربما ستكون هي المبرر الوحيد المتبقي لما سوقته من أسباب عديدة لغزو العراق واحتلاله وتحطيم مؤسسات دولته التي تأسست منذ عام 1921.
إلا أن المخاوف تزداد مع اقتراب موعد هذه العملية الانتخابية التي يراد لها أن تتم وبأية طريقة، ليس تعميقا للممارسة الديمقراطية التي تفضي إلى انتخاب برلمان تقرره صناديق الاقتراع فقط، وليس عبر سلسلة من الإجراءات المعقدة مثلما يحصل في العراق الآن من محاولات لاستبعاد المئات من المترشحين، تحت ذرائع عديدة لا تستقيم والمعايير الديمقراطية السارية في العالم، يأتي في مقدمتها عبور المرشح لفلتر أو مصفى «هيئة اجتثاث البعث» التي أسسها الحاكم المدني الأميركي بريمر، وتغير مسماها لاحقا إلى «هيئة المساءلة والعدالة»، حيث أثارت إجراءاتها لغطا كبيرا يتعلق بسلامة وضعها القانوني والدستوري، قبل أن تتعالى أصوات عديدة تطالب بإلغائها كونها لا تعبر عن سعي حقيقي لتأسيس تجربة ديمقراطية حديثة، في بلد مازال يقع تحت أخطار وتحديات جسيمة تتعلق بمصيره ومستقبله.
فأقل الناقدين والمعترضين على هذه الهيئة، يقول إن إجراءات الاستبعاد والاجتثاث تطال مواطنين عراقيين، تكفل لهم كل الشرائع والمعايير الإنسانية حقوق المشاركة في بناء مستقبل بلدهم، وفقا للمنطق الديمقراطي المعروف والذي يضمن حقوق المواطنة المتساوية، والاحتكام إلى صناديق الاقتراع وحدها في تحديد من يريدهم الشعب ان يكونوا ممثلين عنه في السلطة التشريعية والرقابية العليا..
لكن أصحاب مشروع الاستبعاد والإقصاء، يتشبثون بأن الذي يجري كله مطابق للدستور والقانون الذي أنشأ هذه الهيئة..غير أننا نتساءل؛ كيف يمكن تفسير إقصاء مئات الأشخاص الذين يمتازون بمؤهلات وخبرات تمكنهم من المشاركة الايجابية في خدمة بلدهم، كما ان عددا كبيرا منهم أصلا من المشاركين في العملية السياسية، وقد تولوا مناصب ومراكز حكومية وأمنية حساسة.. فأين كانت عنهم عين الاجتثاث ومقص المساءلة طيلة السنوات الماضية؟!
إن حقيقة ما يجري في العراق يطرح أسئلة عديدة، مثل: هل القوى المتسيدة على المشهد السياسي تحت عباءة التغيير الديمقراطي، تريد شركاء لها في بناء العراق أم تبحث عن تابعين؟ وهل نسيت أن العراق يعاني حالة غير مسبوقة في تاريخه، من فساد مالي وإداري ومحاصصة طائفية مقيتة وأوضاع أمنية غاية في الخطورة من شأنها أن تهدد مصيره؟.
إضافة إلى أنه إذا كان التغيير الجديد الذي ترافق مع الاحتلال يهدف لقيام نظام ديمقراطي جديد على أنقاض حكم ديكتاتوري وقمعي سابق، فلم الخوف من أن الشعب الذي يرفض ممارسات العهد السابق سيقوم بإعادة إيصال هؤلاء إلى سدة الحكم من جديد؟! إن العراق الجديد بحاجة ماسة إلى تكاتف جهود جميع أبنائه الخيرين لرسم مستقبله وصياغة أهدافه وغاياته، ولوضع حد للمأساة التي خلفت أربعة ملايين يتيم ومليون أرملة، ومليوني مواطن مهجر داخل وطنه، ومثلهم أربعة ملايين في الخارج يقاسون الأمرين، من الفقر والحرمان وتسول اللجوء إلى بلدان العالم بحثا عن الأمن المفقود في بلدهم!
سؤال يطرح نفسه ؟ أين ذهبت المليارات التي دخلت ميزانية العراق خلال السنوات الماضية منذ الاحتلال لحد يوما هذا يفوق الترليون دولار؟ بينما الشعب العراقي لا يشرب ماء نقيا ولا يعرف الكهرباء أو الخدمات الصحية، ومعدل البطالة في ارتفاع مخيف، والتعليم مدمر ويستورد الطماطم من دول الجوار، وينزف دماً عند كل صباح.. ألا يحق أن نهمس هنا أيهما أهم في الحالة الراهنة؛ إنقاذ الشعب الذي يكابد الحرمان مع حكومة ثرية، أم الانشغال في مسلسل «نبتة باردة في تربة ساخنة»؟ وهل الانتخابات المقبلة ستأتي بأزمة جديدة تضاف إلى مسلسل أزمات العراق المستعصية أم أنها ستكون مفتاح الحل؟!
سؤال نترك إجابته لمقبل الأيام، وأعان الله شعب العراق الذي صار لا يمتلك شيئا في الحياة، سوى طرح الأسئلة التي لا مجيب عليها.
التعليقات