قسى وزير الخارجية البحريني الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة على زعيم التيار الصدري في العراق مقتدى الصدر، على خلفية البيان المتطفل الذي أصدره وضمنه اقتراحات سخيفة تمس الشؤون الداخلية لمملكة البحرين وتتجاوز على حرمة ومكانة قيادتها الكريمة.

وقد كانت قسوة وزير خارجية البحرين في محلها، إذ لعلها تنبّه الصدر إلى مواطن العطب في نظرته وهو يزجي النصح بدعوى إصلاح البلدان المجاورة، فيما تغوص قدماه في وحل من المشكلات المعقدة والظروف الواهنة والمستعصية على الحل، طالما بقيت قيادات البلاد تفكر بنفس المستوى من التعامي والازدواجية وخدمة أجندات خارجية.

وأبدت الدول الخليجية موقفاً موحداً - باستثناء الدول المرتمية أو المستثمرة في السلة الإيرانية - ضد التدخل في الشؤون الداخلية للبحرين، وقد تضامنت السعودية والإمارات مع المنامة ضد الهجوم المجاني الذي شنه عليها زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، سيما وأن الموقف الرسمي لبغداد كان متردداً وأقل شجاعة مما ينبغي.

لم يتحرّج الصدر من إبداء نصيحة في حق البحرين بشأن استقرارها واستمرارها، فيما يقاسي الواقع العراقي - الذي يشترك في صناعة مأساته الصدر وبقية شركائه الحشديين - من ويلات اقتصادية واجتماعية مرشحة للزيادة.

لم تخجله حقيقة أن عدد العراقيين النازحين بالمخيمات ومراكز الإيواء في الأثناء التي دبّج فيها نصيحته المهلهلة، بلغ مليوناً ونصف، أي أكثر من سكان البحرين التي يقترح لها الحلول المفترضة.

وكان الأولى به أن يدعو المليشيات للتنحي عن مدنهم وإعادتها لأهلها، بدلاً من تنحي حكومة البحرين التي طوت بحكمتها وعون أشقائها المرحلة السوداوية التي اختلقتها اليد الإيرانية العابثة، وتشرئب اليوم لمواعيد التنمية والتقدم التي تلوح في مستقبلها.

في الوقت الذي تتنفس فيه العراق شيئاً من روح استقلالها بعيداً عن سيطرة طهران، بفضل التقارب غير المسبوق مع محيطها وعمقها العربي، يود الصدر ورعاته في إيران قطع الطريق على تنامي العلاقة والتقارب بين بغداد وعواصم خليجية وازنة، تمهّد لعودة العراق إلى دوره وموقعه المهم في المنطقة.

لا يروق هذا لخامنئي الذي انزعج وأدلى بتعليقات انتقد فيها التقارب السعودي–العراقي، خلال لقائه رئيس الوزراء العراقي الزائر عادل عبد المهدي، ويقوم الصدر بدوره الأمين في إفساد هذه الحالة المتشكلة من التقارب والتفاهم.

تود طهران لو تدق إسفيناً في جهود التقارب وتعكير أجواء المعادلات الغضّة التي تتخلق في الواقع العراقي، وقطع الطريق على عمليات تحجيم النفوذ الطهراني، وليس لديها أفضل من تفعيل دور ملحقاتها الميليشياوية وزعمائها المؤدلجين، على الطريقة الإيرانية المعهودة، تشذّ القوى المفارقة لحالة الدولة بآرائها وتشحن أتباعها بخلاف ما تتخذه الحكومة بأجهزتها ورموزها الرسمية من قرارات وخطوات.

ولعل فهم ما تمرّ به إيران من الضغوط غير المسبوقة التي تواجهها الآن ومضاعفة متاعبها قريباً بتنفيذ حزمة العقوبات المكثفة الشهر المقبل، يفسّر حالة التنفيس والمخاتلة التي تنفذها القوى التابعة لطهران، سيما وأن الصدر في بيانه المشكِل، اقترح تقديم خدمات للتفاهم والتواصل بين إيران والسعودية التي تقود جبهة المواجهة على المستوى الإقليمي.

لا أحد يتوقع أن يكون التقارب بين بغداد ومحيطها العربي سيكون سهلاً وسلساً، بعد أن مكثت طهران طويلاً وعميقاً في الواقع العراقي، وهي ليست مستعدة لتسليم أو القبول بمن يزاحمها في ذلك، ومسألة استعادته إلى الحضن العربي ستكون مكلفة، وتعترضها الكثير من التحديات والمشاق.

ولأن التقارب الجاد يستلزم نفساً طويلاً لمواجهة كل الأعباء الواجبة لتحقيقه، من ذلك التمييز الدقيق في حقيقة عروبة بعض الزعامات العراقية التي تستتر بها لطمس ما تضمره وتكنه في دفائنها من الولاء لإيران والاستسلام لها والاستماتة في الدفاع عن أجندتها وما يستفزها من عودة بغداد إلى موقعها الأثير في الذاكرة العربية رغم جروحها والواقع العربي رغم هشاشته.