نبيل شرف الدين من القاهرة : لو كان المسؤولون عن الجوانب التنظيمية والمراسم في مجلس الأمن يضعون في اعتبارهم مغزى توقيت عقد الجلسة التي ترقبها العالم العربي بأسره، ليرى إلى أي حد سيذهب المجلس في إدانة أو توقيع عقوبات على سورية، لما وجد وقتاً أفضل من هذا الذي بثت خلاله الجلسة عبر كل الفضائيات العربية والدولية، إذ جاءت في وقت كانت فيه معظم بلدان المنطقة قد انتهت للتو من تناول الإفطار، وبدأت تتحلق حول الشاشات، لمتابعة حصتها اليومية من البرامج الخفيفة والمنوعات من طراز "الكاميرا الخفية"، و"زكية زكريا"، فضلاً عن طوفان المسلسلات المصرية والشامية والخليجية، لكن هذه الوجبة الشهية لم تكن كافية لحمل المشاهدين على الانصراف عن متابعة جلسة مجلس الأمن، التي لم يصفها أحد بالتعبير الذي استهلك عربيا وهو "الجلسة التاريخية"، رغم أنها بتقدير موضوعي كانت هكذا.

مشاهد من الجلسة
بدا الوزير الروماني الشاب الذي أدار الجلسة واثقاً من نفسه، هادئاً .. محدد العبارات، حاضر الذهن، طرح في البداية مشروع القرار على الأعضاء للتصويت، ولم يستغرق سوى لحظات حين أعلن الموافقة بالإجماع من قبل الدول الخمس عشرة الأعضاء في المجلس، ثم انتقل مباشرة ليمنح وزير الخارجية الفرنسي فيليب دوست بلازي الكلمة كأول متحدث، بينما بدا في جانب من المشهد كل من وزير الخارجية السوري المحنك فاروق الشرع وخلفه المستشار القانوني لوزارة الخارجية رياض الداوودي، وهما رابطا الجأش، حتى جاء الدور على الشرع ليتحدث بالعربية قائلاً إنه تلقى نصيحة من أصدقاء بعدم الخوض في نقد تقرير لجنة ميليس، ومع ذلك فقد خاض الشرع في التقرير، وراح ينقل اقتباسات موسعة منه، ويفندها، قائلاً إنه انطلق من افتراض إدانة سورية بالضلوع في الجريمة، قبل أن يسرد ويستعرض الأدلة والقرائن، فضلاً عن استخدام عبارات من نوع "سيناريو، يتصور، يفترض"، من شأنها أن تطعن في جدية التقرير، وراح يتلو كعادة الساسة العرب التقليديين تفاصيل موسعة واستطرادات مطولة، من شأنها أن تبعث على الملل، ولا تتسق مع الإيقاع اللاهث السريع الذي اتسمت به الجلسة وكلمات وزراء الخارجية الآخرين.
بدا الشرع كمحام يفند جوانب موضوعية في جلسة إجراءات، وراح يقتبس من تقرير لجنة ميليس، ويفندها، ويرد عليها، واعتبر أن أخطر ما وجه إلى دمشق هو أنها تتعاون شكلاً دون المضمون، وأعرب عن أسفه أن القرار الذي تبناه بالإجماع مجلس الأمن اعتمد هذا الاتهام وأقره، ثم انتقل الشرع إلى الدفاع عن نفسه شخصياً حين أشار إلى الفقرة في تقرير ميليس التي تحدثت عن محاولات بعض المسؤولين السوريين تضليل التحقيق، وهي إشارة إلى الشرع شخصياً، وهنا بدا الوزير السوري حاداً، وتغيرت نبرته في الحديث، وكأي ديماغوغي يمكن أن يسمعه المرء في مداخلة فضائية راح يتحدث الشرع عما لا يمكن أن يقال في العلن، طالباً الحديث في هذا الشأن في جلسة مغلقة، واختتم كلمته ـ التي يفترض أن لها وقتاً محدداً ـ بالإعراب عن دهشته لقرار المجلس، على الرغم من أنه لم يتضمن أي إشارة بتوقيع عقوبات على بلاده، وراح يقارن بين حالات كانت فيها إسرائيل طرفاً في قرارات بحثها المجلس، وما شهده المجلس الليلة في شأن المسألة السورية .

سجال الشرع سترو
وبينما ألقى وزير الخارجية الجزائري كلمته بالفرنسية الرشيقة، فقد تحدث وزير الخارجية اللبناني قائلاً إن كشف الحقيقة في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري من شأنه أن يعزز الوحدة الوطنية في لبنان، ويدعم استقرار الأوضاع فيها، وبدا الرجل مقتضباً، ولم يشأ الخوض في مزيد من التفاصيل، ملتزماً بما يمكن وصفه بالحد الأدنى من التناول والتعليق على القضية الشائكة، وخيراً فعل .
اللافت أيضاً أن وزيرة الخارجية الاميركية كوندوليزا رايس كانت كدأبها محددة صارمة، حين حذرت دمشق من أن عدم تعاونها التام واستجابتها مع المطالب التي تضمنها القرار من شأنه أن يؤدي إلى عواقب خطرة من قبل المجتمع الدولي، بينما شهدت نهاية الجلسة سجالاً بين الشرع وجاك سترو، وزير خارجية بريطانيا حول مقارنة ما جرى بأحداث الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) 2001، في الولايات المتحدة، وتفجيرات لندن وإسبانيا، وهو ما عقب عليه سترو في مداخلة إضافية رفض فيها هذه المقارنة، ورفض وصف التحقيق بأنه يشبه تحقيقات القرون الوسطى، وساق في سبيل ذلك حججا وأسانيد عدة، وضرب أمثلة عدة لعدم التعاون من قبل وزارة الخارجية السورية ولجنة ميليس .