لبنان في انتظار ميليس : تراشقات كلامية وانتشار أمني
جعجع يعود وعون يُحَذر من "سرقة الرئاسة"

باريس- بيروت : شارك زعيم "تيار القوات اللبنانية" سمير جعجع أنصار"التيار الوطني الحر" الذي يقوده النائب العماد ميشال عون في إحياء ذكرى معركة 13 تشرين الأول( أكتوبر) 1990 التي أخرجت عون ، رئيس حكومة العسكريين آنذاك من القصر الجمهوري في بعبدا. وقال جعجع للحضور في صالة كنيسة سيدة لبنان في باريس حيث أقيم الاحتفال إنه عائد قريباً إلى لبنان لأن باريس "أصبحت كسجن" بالنسبة إليه. وأضاف أن السلطة الجديدة لم تقم بعد في لبنان، ملاحظاً أن فلول النظام الأمني السابق لا تزال موجودة فيه وترتكب جرائم وأفعالاً لم يعد يحصل مثيل لها حتى في مجاهل الأدغال ، مشيراً إلى أن محاولة سيدة، الإعلامية مي شدياق، "تخرج على تقاليد لبنان والمنطقة". ومن المقرر أن يعود جعجع إلى لبنان بعيد صدور تقرير رئيس لجنة التحقيق الدولية في اغتيال الرئيس رفيق الحريري، القاضي الإلماني ديتليف ميليس ، الجمعة المقبل على الأرجح . وسوف يسكن في منطقة الأرز التي تعتبر أعلى منطقة مأهولة في لبنان وترتفع أكثر من 2000 متر، وتتجاوز فيها سماكة الثلوج سنوياً الخمسة أمتار. ويقول قريبون منه إن الأطباء نصحوا له بالإقامة هناك ليبتعد عن الرطوبة وتلوث الهواء ، علماً أنه بدا على التلفزيون بصحة جيدة وقد استعاد حيويته والملامح التي كان عليها قبل أكثر من 11 عاماً.

ولم يعرف ما إذا كان قائد "تيار القوات" قد نزل عند مطالبات أنصاره بتنظيم استقبالات حاشدة له، أم لا يزال عند فكرة العودة بهدوء إلى مسقط رأسه في مدينة بشري التي تعتبر منطقة الأرز امتداداً لها. وكان تردد أنه لن يقيم أكثر من شهر في الأرزبسبب كثافةثلوجها التي ستعزله عن الحركة السياسية في البلاد ، وتجعل الوصول إليه محفوفاً بالأخطار، رغم أن الطريق تبقى مفتوحة على مدار السنة.
وقيل أن جعجع سينتقل من الأرز إلى منزل في بقعة لم تحد بين بلدتي سهيلة وبلونة في وسط كسروان.

لكن الأهم من موقعه الجغرافي هو موقعه السياسي. فالرجل الذي شارك في ذكرى تخص العماد عون وأنصاره لا يبدو مستعداً للتخلي عن تحالفه الأساسي مع زعيم "تيار المستقبل" النائب سعد رفيق الحريري الذي لا يوفره عون من انتقادات لاذعة تشمل أيضاً الحكومة التي يدعمها ورئيسها رفيق رفيق الحريري، فؤاد السنيورة . ويختلف الحريري الابن وعون على كل شيء تقريباً باستثناء استمرار الحوار بينهما ، وحتى هذه النقطة تخضع لتجاذب . فبعدما التقى النائب نبيل نقولا قبل أيام سعد الحريري في باريس صرّح العماد عون أنه لم يوفده إلى العاصمة الفرنسية وإن الحريري طلب الاجتماع به. وذكرت صحيفة "الحياة" أن هذه المسألة أثارت إرباكاً في تكتل عون النيابي، وإن الجنرال السابق عيّن لمهمة الاتصال بزعيم "المستقبل" صهره جبران باسيل.

ويُتوقع مع اقتراب موعد صدور تقرير ميليس أن تتكثف الدعوات إلى رئيس الجمهورية إميل لحود للاستقالة من منصبه ، أقله بسبب مسؤولية معنوية يتحملها في اغتيال الحريري باعتبار أن عدداً من الذين سيوجه إليهم ميليس أصبع الاتهام هم من القريبين منه ، ولا سيما الضباط الأربعة السجناء في هذه القضية.

وحذرت مصادر لحود عبر وسائل الإعلام من الربط بين التقرير ومصير رئيس الجمهورية واعتبرت أن الغاية منه هي استدراج تدخل دولي في مسألة سيادية. واعتبرت ان "الحملة على لحود يتولاها ثلاثة انواع من الاشخاص:

- النوع الاول يضم وزراء ونوابا وسياسيين من الاكثرية النيابية الجديدة هدفهم تحميل رئيس الجمهورية مسؤولية ما في جريمة الاغتيال لتبرير معارضتهم استمراره في موقعه، مهما تكن نتيجة تقرير ميليس والمعطيات التي سيدرجها فيه، وذلك استمرارا للحملة التي تستهدف منذ مرحلة تمديد ولايته ثلاث سنوات.

- النوع الثاني يضم بعض السياسيين والاعلاميين الذين يتأثرون بالسياسات الخارجية، ولاسيما منها تلك التي تصدر عن دول معنية بالوضع في الشرق الاوسط، وتحديداً الوضعين اللبناني والسوري.

- النوع الثالث، يضم عدداً من المرشحين الدائمين والطارئين للرئاسة الاولى يحاولون الافادة من الاجواء السياسية الضاغطة والمحتوى المتوقع لتقرير ميليس، من اجل الهجوم على موقع الرئاسة واضعافه والتسويق لانفسهم كبدائل محتملين". وأكدت المصادر نفسها ان لحود "يبدو مصمماً اكثر من اي وقت في مواجهة هذه الحملات، على تحمل مسؤولياته كاملة". ودعت الى "قراءة دقيقة للمرحلة الراهنة وعدم الاسترسال في اطلاق النار على موقع الرئاسة".

لكن نائباً عضواً في كتلة نواب "المستقبل" قال ل "إيلاف": "سترى أن لحود لن يستطيع البقاء. إنه يتكلف مظهر القوة حتى آخر لحظة". ورداً على سؤال عن ترشح عون للرئاسة قال: "لا تذكر اسمي، لا أحد يريد عون رئيساً إلا عون". وكان زعيم "التيار الوطني الحر" أدلى بتصريح جاء فيه: "إنهم (تيار المستقبل وحلفاؤه) سرقوا منا الأكثرية النيابية، والحكومة، ولن ندعهم يسرقون منا رئاسة الجمهورية". وتراشق كلامياً مع قيادة الجيش اللبناني داعياً إليها إلى الكشف عن مصير ضباط وجنود قتلوا في معركة 13 تشرين ولا يزالون في عداد المفقودين، وحضها على نبش مقابر جماعية قال إنها موجودة قرب مقر وزارة الدفاع. ورد قائد الجيش العماد ميشال سليمان في شكل ضمني قائلاً في توجيه إلى الضباط إن القائد يجب ألا يتخلى عن ضباطه وجنوده وأن يتحمل معهم مسؤولية القرارات التي يتخذها، في إشارة إلى مغادرة عون قصر بعبدا ولجوئه إلى السفارة الفرنسية تاركاً عسكرييه في المواجهة.
وفي انتظار صدور تقرير ميليس ، انتشر نحو 10 آلاف من رجال الجيش والأمن الداخلي في منطقة بيروت الكبرى وأقاموا حواجز متنقلة دققت في أوراق السيارات والعابرين. ودهمت قوة من الجيش مركزاً عسكريا سابقاً للحزب السوري القومي الاجتماعي في منطقة البوارج المطلة على البقاع ، أعلن الحزب أنه مهجور منذ زمن طويل .

وكان المسؤولون عن الحزب السوري القومي الاجتماعي الوحيدون الذي شاركوا من لبنان في تشييع وزير الداخلية السورية المنتحر اللواء غازي كنعان، نظراً إلى الرابط القوي بين كنعان والرجل القوي في الحزب أسعد حردان. وقال مراقبون إنه لو كان السوريون لا يزالون يتمتعون بنفوذ قوي في لبنان لكانت هذه الخطوة عنت القضاء على حردان . وبما أن نفوذهم قد انحسر لم تبق له سوى الحماية الشخصية التي يمنحه إياها "حزب الله" ، أما دوره فقد انتهى في لبنان وسورية على السواء. والأرجح أن عملية الدهم كانت مجرد رسالة ليفهم.

وفي مجال مواكبة الاتصالات لمرحلة ما بعد تقرير ميليس ينتقل إلى باريس غدا رئيس الحكومة السنيورة ويلتقي عدداً من المسؤولين الفرنسيين الكبار للاطلاع على المحادثات التي اجرتها وزيرة الخارجية الاميركية كوندوليزا رايس مع الرئيس الفرنسي جاك شيراك ونظيرها هناك فيليب دوست – بلازي. وذكرت اوساط الرئيس السنيورة ان قرار زيارته العاصمة الفرنسية جاء بناء على رغبة مشتركة .