بلال خبيز من بيروت: تشير مصادر مطلعة في العاصمة اللبنانية، إلى ان اعلان القاضي الالماني ديتليف ميليس عن نيته في التنحي عن مهمته في قيادة فريق التحقيق الدولي، لم يكن مفاجئاً. إذ سبق هذا الإعلان تدخلات من اكثر من طرف دولي وعربي فاعل في مجرى التحقيق، خصوصاً في ما يتعلق بمكان استجواب المسؤولين السوريين. وترى هذه المصادر ان ثمة تخوفاً عربياً كبيراً من احتمال وصول التحقيق إلى اعمدة اساسية في النظام السوري، مما يفتح سوريا والمنطقة على احتمالات لا ضامن لها. والحق ان موقع سوريا الجغرافي في وسط المشرق العربي يجعل من استقرارها على اي نحو من الانحاء ضرورة حاسمة لدول المنطقة، خصوصاً بعدما تبين ان الإدارة الاميركية في العراق لم تنجح حتى الآن في ضبط الخرق الامني الذي تمثله المقاومة العراقية المتمثلة بتنظيم القاعدة في بلاد الرافدين الذي يتزعمه الأردني ابو مصعب الزرقاوي. وامتداد نشاط هذا التنظيم إلى سوريا مثلما يرجح البعض في حال سقوط النظام السوري بضربة قانونية دولية قاضية، يجعل الخرق الامني، على وجه السرعة، خرقاً سياسياً لا يمكن تفادي مضاعفاته على الجيران، من الاردن وصولاً إلى المملكة العربية السعودية، مروراً بفلسطين ولبنان.
لا شك ان استقرار سوريا مطلب سياسي ملح يتشارك في الحض على الحاحه واهميته كافة الدول العربية فضلاً عن المجتمع الدولي برمته. هذا الاستقرار المطلوب والملح يجنب الوضع السوري هزات كبيرة قد تجعل من النظام السوري ضحيتها الاولى. وليس خافياً ان بقاء النظام السوري ليس مطلوباً في حد ذاته، بقدر ما يحصّل هذا النظام الأمل في بقائه فاعلاً من خطر البديل الذي قد يخلفه بعدما عمد هذا النظام طوال عقود من قوانين الطوارئ وسياساته إلى تفريغ الداخل السوري من كل احتمال تطور ديموقراطي سلمي يجعل سوريا حصينة على مثل تلك السيناريوهات الكارثية. لكن هذا الوضع في طبيعة الحال انما ينم عن ضعف شديد اصاب النظام الذي صار يستجدي بقائه من ضمانة اطراف خارجية عربية ودولية. ومع هذا الضعف الشديد الذي يصيب النظام تبدو سوريا برمتها كما لو انها تحولت مرة واحدة، ومن دون اي احتمال للتراجع، إلى دولة يتم التفاوض على مصيرها خارج حدودها، ولا تملك من اسباب الوحدة والبقاء غير توافق دولي على ضرورتها الموقتة. هذا يفترض ان النظام السوري لم يعد يحسن البقاء من دون كفالة اوصياء خارجيين يكفلون حسن سلوكه وانضباطه تحت السقف الدولي المعد سلفاً لدى المجتمع الدولي. وثمة في الاتهام الموجه لسوريا في جريمة اغتيال الحريري ما يترك آثاراً لا تمحى على مستقبل هذا النظام. فالاتهام السياسي الذي سيرفد باتهام قانوني جزئي يطاول بعض ضباط النظام البارزين سيجعل النظام قيد الاتهام والمراقبة الدائمين، ويمنع عنه كل دور خارج حدوده.
على هذا يبدو ان المجتمع الدولي الذي يقدم السياسة على القانون يحتاج لتنفيذ خططه إلى قاض اكثر طواعية واقل تشبثاً باكتشاف الحقيقة وملاحقة المتهمين. وفي هذا المعنى يبدو ميليس غير مناسب على الإطلاق لأي صفقة قد تعقد بين المجتمع الدولي والإدارة السورية.
لكن مثل هذا التنحي الذي اصبح في حكم المؤكد يجب ان يترافق سورياً مع مرونة كاملة، من محاولة ترتيب العلاقة مع لبنان والتي تمثلت بلقاء السنيورة - الشرع في برشلونة، ثم زيارة وزير التعليم السوري إلى لبنان ولقاءه نظيره اللبناني، وصولاً إلى الوضع الفلسطيني فالوضع العراقي.
والحال ليس ثمة سياسة مواجهة سورية ممكنة، ولا يبدو ان الإدارة السورية قادرة على المواجهة اصلاً. غير ان الخطب اللفظية المفخمة ما زالت حتى الآن ممكنة، ويمكن للمسؤولين السوريين ان يستمروا في اطنابهم عن المقاومة والصمود إلى اجل قد لا يكون بعيداً جداً. ذلك ان من شروط الانصياع والانضباط تحت سقف دولي منخفض، كمثل السقف المقترح على سوريا، ان يطابق القول الفعل معنى ومبنى.
التعليقات