تديّن المهاجرين المسلمين يطرح عليها أسئلة عميقة
فرنسا تحتفل بقرن على قانون العلمانية


إقرأ أيضا

توقيف إمام سلفي في فرنسا وطرده إلى المغرب

فرنسا ستمنح تاشيرات لمدة طويلة لخمس وظائف

البطالة في فرنسا

الافراج عن 7 اسلاميين اعتقلوا في فرنسا

أندريه مهاوج من باريس: على وقع احداث الضواحي واعمال العنف التي احدثت شرخا داخل المجتمع الفرنسي وشكلت فشلا لنموذج دمج المهاجرين باعتراف عدد من المسؤولين الفرنسيين، تحتفل فرنسا اليوم بالذكرى المئوية الاولى لقانون عام 1905 المتعلق بفصل الدين عن الدولة واعتماد مبدأ العلمانية ركيزة اساسية لعمل المؤسسات الحكومية .

وإذا كان هذا القانون الذي تم تبنيه في التاسع من كانون الاول ديسمبر عام 1905 يرمي أصلا الى وضع حد لنفوذ الكنيسة في الحياة السياسية العامة، فإن الطبقة السياسية واركان المجتمع المدني دخلوا منذ سنة في مناقشات متعددة الجانب بشان تطبيق العلمنة وامكان ملائمة هذا القانون الذي مضى عليه قرن كامل على خلفية المتغيرات التي شهدها المجتمع الفرنسي المعاصر مع وصول دفعات كبيرة من المهاجرين خصوصا من دول اسلامية مثل افريقيا والمغرب العربي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.

صحيح أن فرنسا استقطبت ايضا منذ تلك الفترة مهاجرين من دول اوروبية عدة في طليعتها ايطاليا ودول اوروبا الشرقية، لكن عملية اندماجهم لم تطرح مشاكل ذات طابع اجتماعي او ديني نظرا لتشابه العادات والتقاليد والمعتقدات الدينية بين هؤلاء المهاجرين وأبناء الشعب الفرنسي . وظهر هذا الامر جلياً من خلال المواقف التي اثارها قانون منع الرموز الدينية الظاهرة في المدارس العامة الذي تبناه البرلمان الفرنسي في عام 2004 . فرغم التوضيحات التي قدمها المسؤولون الفرنسيون وفي طليعتهم الرئيس جاك شيراك لتطمين أبناء الجاليات غير المسيحية إلى ان القانون لا يستهدفهم بل انه تجديد للتمسك بمبدأ العلمانية، علت اصوات تنتقد خلفيات هذا القانون واعتبره مسلمون وسيلة للحد من ممارستهم الدينية ويرمي تحديداً إلى منع المسلمات الحجاب في حين راى مسؤولون عن ديانات اخرى مثل السيخ انه يمس بجوهر معتقداتهم وعاداتهم .بينما يعتبر الرئيس شيراك ان العلمانية هي ركيزة اساسية تتيح للفرنسين العيش في مناخ من الحرية والتناغم والتسامح الديني.

ولكن قانون عام 1905 الذي نص على ان مؤسسات الجمهورية تضمن احترام حرية المعتقد والتفكير و حرية الممارسة الدينية لاقى عند تبنيه انتقادات شديدة من قبل رأس الكنيسة الكاثوليكية انذاك البابا بيوس العاشر الذي اعترض في شكل خاص على عدم اعتراف الجمهورية الفرنسية بأي دين رسمي ووقف أي دعم مالي للكنيسة او أجر لرجال الدين مكتفية بتحمل نفقات صيانة الاماكن المقدسة باعتبارها مبان عامة او اثرية . وعلى مدى عقدين اثار هذا القانون عند تبنيه جدلا واسعا خصوصا انه وضع حدا لقرون من نظام الملكية القائم على مبدأ الحق الالهي الممنوح لملوك فرنسا، وجاء تتويجا لمسيرة طويلة في فصل شؤون الدين عن الدولة بدات بقوانين صدرت تباعا في منتصف اعوام 1880 مرورا بقانون عام 1901 حول الجمعيات التي تعنى بالشان العام وانتهت بقانون عام 1905 .

واذا كانت العلمنة انطبعت في ذهن الفرنسيين المسيحيين الذين ابتعدوا عن ممارسة الشعائر الدينية مع تدني نسبة الكاثوليك الذين يمارسون هذه الشعائر الى خمسة بالمئة، فان وجود اكثر من خمسة ملايين مسلم في فرنسا معظمهم من المتدينين الذين يمارس نحوالستين بالمئة منهم شعائرهم الدينية في شكل غير منتظم وفقا لاستطلاع للرأي، اعاد المناقشة الى الواجهة من زاوية تمسك هؤلاء بحقهم في التعبير عن معتقدهم الديني، اما من خلال وضع المراة الحجاب او من خلال رفض بعض الطالبات المشاركة في دروس علم الاحياء، او ممارسة الرياضة بشكل مختلط مع الرجال . ويعتبر القيمون على الجميعات المسلمة ان هذه الممارسات حق من حقوق الانسان وتدخل بالتالي في اطار حرية المعتقد والتعبير وتضمنها لهم القوانين المتعلقة بالحريات العامة ولا يرون في هذه الممارسات اي تناقض مع حقوق الاخرين طالما ان المسلمين لا يسعون لفرضها على غير المسلمين .

ومهما يكن فان قيام وزير الداخلية المكلف بالشؤون الدينية نيقولا ساركوزي بتشكيل لجنة حول العلاقات بين الديانات والسلطة اعاد الجدل لا بل الانقسام في المواقف من قانون قانون1905 .فبينما عبرت بعض جمعيات المسلمين التي تنتظر بحذر وترقب نتيجة اعمال هذه اللجنة، عن تأييدها المبدئي لاعادة البحث في هذا الامر في ضوء التغييرات التي شهدها المجتمع الفرنسي منذ قرن، راوحت مواقف رؤساء الديانات الاخرى حول الموضوع وأعرب العلمانيون عن تمسكهم بمبدأ فصل الدين عن الدولة . الكنيسة البروتستانتية أيدت مشروع ساركوزي لاعادة النظر بالقانون المذكور وادخال تعديلات على قانون منع الرموز الدينية في حين ابدت الكنيسة الكاثوليكية واليهود بعض التحفظات وطالبوا بعدم المس بما وصفوه بالتوازن الذي اوجده قانون 1905 .

قادة احزاب اليسار انتقدوا بشدة خطوة الوزير ساركوزي واعتبروها محاولة لوضع يد الدولة على الدين والتحكم بشؤونه في حين دعا القيمون على الماسونية الى تظاهرة احتجاجية معتبرين ان العلمانية هي شأن شعبي وطالبوا بتعميم قانون منع الرموز الدينية الظاهرة في المدراس العامة الى المدراس الخاصة والمؤسسات العامة. وفي هذه المناسبة تم اصدار اسطوانتين مدمجتين لبثها في المدارس العامة quot;تأكيدا على الدور الريادي للمدرسة العامة وتمسك الباريسيين بمبدأ العلمنةquot;، كما قال رئيس بلدية باريس برتران دولا نووية، موضحا ان هاتين الاسطوانتين تتضمان عرضا تاريخيا لقانون عام 1905 .