بوش يعلن 16 يناير يوما للحريات الدينية
الزعيم الأسود لوثر كينغ يقابل الأبيض لنكولن


نصر المجالي من المنامة: مع احتفالات الشعب الأميركي بذكرى اغتيال داعية حقوق الانسان الأسود مارتن لوثر كينغ الحائز على جائزة نوبل للسلام الذي قتل العام 1968 بسبب مواقفه النضالية من أجل الحقوق المدنية الأساس للأميركيين السود وشعوب القارة الإفريقية، فإنه تكريما لهذه الذكرى تقرر بناء على بيان من الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش اعتبار اليوم الإثنين الموافق 16 يناير (كانون الثاني) يوماً للحرية الدينية، وأكد الرئيس الأميركي أن quot;الحق في الحرية الدينية أساسي في أميركا.quot; وسيقام للزعيم الأسود الراحل نصب تذكاري في العاصمة واشنطن قبالة نصب ابراهام لينكولن. ودعا بوش الأميركيين إلى quot;تذكر النعم العظيمة للحرية الدينية والسعي في سبيل الحفاظ على هذه الحرية لأجيال المستقبل والاحتفال بهذا اليوم بالأحداث والنشاطات المناسبة في المدارس وأماكن العبادة والأحياء والمنازلquot;. وأشار الرئيس بوش في بيانه إلى الجهود الأميركية من أجل تقدم ونشر الحرية الدينية حول العالم وامتدح ما تم في هذا السبيل بشكل خاص في فيتنام ولاوس والهند وجورجيا والإمارات العربية المتحدة.

وجاء في البلاغ الصادر عن البيت الأبيض وتلقت (إيلاف) نسخة منه عبر مكتب الإعلام التابع لوزارة الخارجية الأميركية إن الحق في الحرية الدينية أساس في أميركا quot;وذلك بمناسبة احتفال بلادنا في يوم الحرية الدينية بإقرار قانون فرجينيا في العام 1786 للحرية الدينية وحماية الحرية الدينية كما نص عليها التعديل الأول لدستور الولايات المتحدةquot;. وأضاف quot;لقد أدرك مؤسسو بلادنا الأوائل أهمية الحرية الدينية بالنسبة لاستقرار الديمقراطية، ولذا فإن دستورنا يحمي حق الأفراد في العبادة طبقا لاختيارهم. وعليه فإننا نرفض أي تمييز ديني بأي شكل من الأشكال ونواصل بذل جهودنا في معارضة أي تحيّز وفي التصدي لأي تعديات على الحرية الدينيةquot;.

وها نحن اليوم نعمل على تقدم الحرية الدينية في الخارج. ويقوم مكتب الحرية الدينية الدولية في وزارة الخارجية بدور هام في هذه الجهود عن طريق المطالبة بالحريات الدينية والعمل الفعلي ضد الاضطهاد الديني في العالم. وقد شهدنا في السنوات الأخيرة تقدما هاما شمل فيتنام ولاوس والهند وجورجيا والإمارات العربية المتحدة، وإطلاق سراح الكثيرين في بلدان عديدة كانوا مسجونين بسبب معتقداتهم الدينية. وإننا بالمساعدة على ضمان الحرية الدينية للناس في البلدان الأخرى حول العالم إنما نعزز انتشار الحرية والكرامة الإنسانية.

وتابع القول quot;والآن، وعليه، فأنا جورج دبليو بوش رئيس الولايات المتحدة الأميركية وبموجب السلطة المخولة لي طبقا للدستور وقوانين الولايات المتحدة أعلن 16 كانون الثاني/يناير، 2006، يوم الحرية الدينية.. وأدعو الأميركيين جميعاً إلى استذكار نعم الحرية الدينية العظيمة والسعي في سبيل الحفاظ على هذه الحرية من أجل أجيال المستقبل، وإلى الاحتفال بهذا اليوم بالأحداث والنشاطات في المدارس وأماكن العبادة والأحياء والمنازل، وإنني أشهد بأنني أوقع هنا في هذا اليوم الثالث عشر من كانون الثاني/يناير من العام 2006 العام المائتين والثلاثين لاستقلال الولايات المتحدة الأميركيةquot;.

وإذ ذاك، كرّم الأميركيون، اليوم الإثنين ذكرى حياة وإنجازات القس مارتن لوثر كينغ (الإبن)، (1929-1968)، الحائز على جائزة نوبل للسلام في العام 1964، ويرتبط اسم كينغ أكثر من اسم أي شخص آخر بالانتصارات التي حققتها حركة الحقوق المدنية للأميركيين-الأفارقة في الخمسينات والستينات من القرن الماضي. وقد كان كينغ، كمنظم سياسي وخطيب مفوه فائق البراعة وداعية إلى الاحتجاج اللاعنفي (السلمي)، بالغ الأهمية في إقناع أشقائه الأميركيين بوضع حد للفصل العنصري القانوني الذي كان سائداً في جميع أنحاء الجنوب وأجزاء من المناطق الأخرى، وفي تنشيط دعم التشريعات الخاصة بالحقوق المدنية التي وضعت الإطار القانوني للمساواة العرقية في الولايات المتحدة.

يذكر أن القس كينغ كان من دعاة العدالة والإنصاف الذين تخطى تأثيرهم الحدود القومية. وقد سافر كينغ، الذي درس فلسفة ومبادئ اللاعنف التي نادى بها المهاتما موهانداس كرامشند غاندي (1869-1948)، في العام 1959 إلى الهند حيث واصل دراسة التعاليم التي خلفها الرجل الذي وصفته أرملته، كوريتا سكوت كينغ، في وقت لاحق بأنه كان quot;الأب السياسي الروحيquot; لمارتن لوثر. وقد قام نلسون مانديلا بدوره، في الكلمة التي ألقاها بمناسبة تسلمه جائزة نوبل للسلام في العام 1993، بالإشادة بكينغ بوصفه كان سلفه في محاولة حل القضايا المتعلقة بالعنصرية والكرامة الإنسانية بشكل عادل.

وكان كينغ، وهو ابن قس مرموق في أطلنطا يُدعى مارتن لوثر كينغ (الأب)، قد حصل على درجة دكتوراه في اللاهوت في جامعة بوسطن وهو في السادسة والعشرين من العمر. وفي العام 1954، أثناء كتابته لأطروحته، قبل كينغ تعيينه راعي أبرشية لكنيسة ديكستِر أفنيو المعمدانية في مونتغمري، بولاية ألاباما. وفي مونتغمري تلك، سُجنت في العام التالي خياطة أميركية-إفريقية، هي روزا باركس، لرفضها إخلاء مقعدها لرجل أبيض في أوتوبيس البلدية الذي يفصل بين السود والبيض. وكان ذلك الحادث هو الشرارة التي أطلقت quot;مقاطعة الأوتوبيس في مونتغمريquot;، حين رفض الأميركيون-الأفارقة من سكان المدينة استخدام نظام الأوتوبيسات التي تطبق الفصل العنصري. وكان كينغ رئيساً للمنظمة التي نظمت المقاطعة وأصبح وجه الحركة المعروف والناطق باسمها، مناشداً الأميركيين البيض بروح من الأخوة. وحين حكمت المحاكم الفدرالية، على أساس تحليل واستنتاج قرار المحكمة الأميركية العليا في قضية quot;براون ضد مجلس التعليم،quot; بأن قانون الفصل العنصري الخاص بالأوتوبيسات غير دستوري، برز كينغ على الساحة كزعيم قومي.

وكان كينغ من مؤسسي مؤتمر القيادة المسيحية الجنوبية في العام 1957، وهو تحالف بين رجال دين سود وكنائس للسود تَشكل للقيام بعمليات مباشرة لاعنفية ضد الفصل العنصري. وكان زعماء المؤتمر يأملون في تغيير الرأي العام وفي الإضافة إلى التحديات القانونية للفصل العنصري التي كانت تدفع بها الجمعية القومية لتقدم الملونين. وكان كينغ قوة ديناميكية في مؤتمر القيادة المسيحية الجنوبية، وسرعان ما برز كأفضل جامع تبرعات وكمخطط سياسي بارع التكتيك نجح في عقد تحالفات مع البيض الذين يعيشون في المناطق الشمالية ويتعاطفون مع السود. وقد سافر في العام 1959 إلى الهند حيث اجتمع بأتباع غاندي وشذب أفكاره الخاصة بالاحتجاج الاجتماعي اللاعنفي.

وفي أوائل الستينات، أطلق كينغ ومؤتمر القيادة المسيحية الجنوبية عدداً من المسيرات الاحتجاجية السلمية ضد المؤسسات التي تطبق الفصل العنصري. وفي شهر أيار/مايو من العام 1963، استخدم مفوض الشرطة يوجين (بول) كونر، كلاب الشرطة وخراطيم المياه ضد مظاهرة سلمية في بيرمنغهام، بولاية ألاباما، كان معظم المشاركين فيها من تلامذة المدارس. وروعت مشاهد ما حدث البلد. وألقي القبض على كينغ خلال هذه التظاهرات فكتب في السجن quot;رسالة من سجن في بيرمنغهام،quot; التي جادل فيها بأن من يخرق قانوناً غير عادل بهدف إيقاظ ضمير مجتمعه quot;إنما يعرب في الواقع عن أقصى الاحترام للقانون،quot; شريطة أن يتصرف quot;بشكل علني محِب ومع استعداد لتقبل العقوبة.quot; وفي شهر آب/أغسطس من نفس ذلك العام، نظم زعماء الأميركيين-الأفارقة quot;مسيرة واشنطن للأعمال والحرية.quot; وفي واشنطن العاصمة، ألقى كينغ أمام ما يقدر بربع مليون مؤيد لحركة الحقوق المدنية اجتمعوا عند نصب لنكولن التذكاري (لنكولن ميموريال)، إحدى أكثر الخطب تأثيراً في المشاعر عبر التاريخ الأميركي. وتحفظ أجيال من تلامذة المدارس فقرات من خطاب quot;لدي حلم،quot; الذي يبتهل فيه كينغ من أجل يوم quot;لا يحكم فيه على الناس على أساس لون بشرتهم وإنما على أساس أخلاقهم وشخصيتهم.quot;

وقد ساعدت المشاهد والصور التي نقلت أحداث برمنغهام وواشنطن في بلورة الدعم لـquot;مرسوم الحقوق المدنية للعام 1964quot;، الذي وقعه الرئيس لندون جونسون فأصبح قانوناً ساري المفعول في 2 يوليو (تموز) 1964. وفي العام 1965، أدى العنف الذي لجأت إليه شرطة مدينة سلما، بولاية ألاباما، في مواجهة مسيرة تطالب بحق الاقتراع إلى ارتفاع مماثل في التأييد لكينغ ولحركة الحقوق المدنية وللتشريع الذي يضمن حق المشاركة السياسية. وهكذا أصبح quot;مرسوم حقوق الاقتراعquot; قانوناً في 6 أغسطس، 1965.

ومع صدور هذه القوانين الخاصة بالحقوق المدنية، واصل كينغ تطبيق استراتيجية الاحتجاج الاجتماعي السلمي (اللاعنفي) حتى عندما كان بعض الزعماء الشباب يجادلون أحياناً مطالبين باتباع أساليب أكثر راديكالية. كما وسع كينغ برنامج أعماله ليشمل جهوداً ترمي إلى تسليط الضوء على فقر الأميركيين-الأفارقة. وكان كينغ في ممفيس، بولاية تنسي، يساند عمال جمع القمامة (الزبّالين) السود المضربين عن العمل، عندما اغتالته رصاصة أطلقها سفاك في 4 نيسان/إبريل من العام 1968، فغيبه الموت عن 39 عاما.

وأخيرا، فإن الشعب الأميركي سيقيم في وقت قريب نصب تذكاري قومي، سيتم تشييده على مرأى مباشر من نصب لنكولن التذكاري، حيث ألهم كينغ الأميركيين وألهب مشاعرهم بأحلامه الخاصة بالعدالة والمساواة العرقية. ويواصل اليوم حمل رسالة مارتن لوثر كينغ عدد لا يحصى من الأفراد والمنظمات، بما في ذلك quot;مركز كينغquot;، في مدينة أطلنطا عاصمة ولاية جورجيا الجنوبية.