العلاقات الروسية الفلسطينية قديمة ثقافياً وسياسياً
3 رهبان في الخليل يشهدون على التاريخ

كنيسة روسية بالقدس تضم رفات قياصرة روس
أسامة العيسة من القدس :على رأس تلة مرتفعة في مدينة الخليل، جنوب الضفة الغربية، يعيش ثلاثة من الرهبان الروس الأرثوذكس وسط محيط إسلامي كثيف في اكثر المدن الفلسطينية محافظة. ويتجول هؤلاء بملابسهم المميزة بحرية كبيرة وسط السكان الذين كونوا معهم صداقات على مدار السنين، ويدير هؤلاء أحد اشهر الممتلكات الروسية في فلسطين، وهي الكنيسة المعروفة مثل غيرها، مثل الممتلكات الروسية الأخرى باسم (المسكوبية). ومسكوبية الخليل هذه بنيت في مكانها بجوار ما يسمى بلوطة إبراهيم، نسبة لأبي الأنبياء، الذي يشير التقليد إلى انه سكن تحتها.

أحد الرهبان واسمه اسكندر يعتبر شاهدا على بعض التقلبات التي حدثت في المكان، ففي عام 1998، وبمناسبة زيارة إلى فلسطين قام بها بطريرك روسيا الكسي الثاني ، الذي كان يمثل الكنيسة الروسية الرسمية التي عرفت بالكنيسة الحمراء، تحركت مجموعات من جهاز الأمن الوقائي الفلسطيني، بأوامر من ياسر عرفات، رئيس السلطة الفلسطينية الرحل، باتجاه مسكوبية الخليل، من أجل طرد الرهبان في داخلها الذين كان يمثلون ما يعرف باسم الكنيسة البيضاء، وهي تمثل المنشقين الذين اتخذوا موقفا من الثورة الشيوعية في روسيا عام 1917، وتسليمها إلى الكنيسة التي يمثلها الكسي الثاني، وهو الإجراء الذي كان من المستحيل تنفيذه عندما كانت سلطات الاحتلال الإسرائيلي تسيطر على مدينة الخليل، والتي كان مقرها العسكري يقع قبالة المسكوبية.

وعندما تم إخراج الرهبان البيض منها لتسليمها إلى الرهبان الحمر، رفض اسكندر المغادرة، وفضل البقاء مع الرهبان الحمر، في المكان الذي أحبه.
وبينما كانت تتم عملية إخلاء مسكوبية الخليل من الرهبان البيض، كان البطريرك الكس الثاني ينهي اجتماعا مع ياسر عرفات، ويستعد لترؤس قداس احتفالي في كنيسة المهد بمدينة بيت لحم، بمناسبة مرور 150 عاما على أول إرسالية روسية في القدس، ومن المفارقات ان البناية التي بناها الروس في القدس آنذاك، وكانت من أوائل البنايات التي بنيت خارج بلدة القدس القديمة، تحولت إلى معتقل المسكوبية في القدس الغربية الذي تمارس فيه خروق لحقوق الأسرى بحسب منظمات حقوقية إسرائيلية ودولية.

وكانت زيارة الكسي الثاني آنذاك تعلن عن بدء تعاظم الدور الروسي في المسالة الفلسطينية وفي الإقليم، وإعادة الاعتبار للعلاقات التي ربطت بين فلسطين وروسيا بغض النظر عن طبيعة الحكم فيها سواء كان قيصريا أو شيوعيا أو وطنيا قوميا، ورغم طبيعة الرجل الدينية، إلا أن الوفد الذي ترأسه ضم سياسيين رفيعي المستوى ومن بينهم مدير مكتب الرئيس الروسي. واكثر علامة بارزة على طبيعة هذه العلاقات، كانت عام 1853، عندما نشبت حرب استمرت ثلاث سنوات، بين الإمبراطورية الروسية القيصرية والإمبراطورية العثمانية، بسبب إجراءات تتعلق بطائفة الروم الأرثوذكس في كنيسة المهد واختفاء النجمة من مغارتها.

نجمة المهد التي خاضت روسيا من اجلها الحرب
واندلعت تلك الحرب التي عرفت باسم جزيرة القرم، لان روسيا كانت ترى نفسها حامية لأرثوذكس فلسطين، وعندما طلب مندوب روسيا من الحكومة العثمانية أن يكون للروم الأرثوذكس حرية التصرف بمفتاح كنيسة المهد وبنجمة المغارة، لم يقبل الباب العالي، فأعلنت الحرب بتاريخ 9 أيار (مايو) 1853، لتستمر ثلاث سنوات، ولينضم إليها قوى أخرى عالمية. ويقول داود مطر الناشط الأرثوذكسي الفلسطيني لمراسلنا، ان نشاط الروس في فلسطين اشتمل على إقامة مدارس ونشاطات ثقافية أخرى، وانه كان حتى ثورة أكتوبر العظمى عام 1917 اكثر من 1200 طالب فلسطيني يدرسون في المدارس الروسية، وخرجت هذه المدارس العديد من أعلام الأدب والسياسة الفلسطينيين وخصوصا من مدرستي بيت جالا والناصرة.

ولم يقتصر الدور الروسي في إقامة المدارس والكنائس، ولكن روسيا دعمت العرب الأرثوذكس في مطالبهم بإدارة شؤون كنيستهم، وعاضدت الإرساليات الروسية مطالب العرب الأرثوذكس ضد الاكليروس اليوناني الذي ما زال مسيطرة حتى الان على كنيستهم. وينحدر كثر من المسيحيين الفلسطينيين، خصوصا في القدس والناصرة وبيت لحم، من عائلات روسية كانت قدمت إلى فلسطين واستقرت فيها. وعندما تلقت الكنيسة الروسية ضربة كبيرة، في أعقاب ثورة أكتوبر، بالانشقاق بين البيض ولاحمر، اثر ذلك على علاقتها بفلسطين، بسبب وقوف حكومتا إسرائيل وأميركا مع المنشقين، وتمكينهم من الاحتفاظ بالأملاك الروسية في فلسطين، في أوج الحرب الباردة.

وتم قتل العديد من الرهبان والراهبات في هذه الأديرة، خلال سنوات، بسبب علاقتهم المفترضة مع الكنيسة الأم في روسيا. وفي حين أن بعض حوادث القتل هذه نسبت إلى متطرفين يهود، فان حوادث أخرى توجد شكوك قوية بان المخابرات الإسرائيلية تقف وراءها لاتهام الضحايا بأنهم عملوا لصالح جهاز المخابرات السوفيتي (الكي. جي. بي). وعوض هذا ارتباط الاتحاد السوفيتي بعلاقات كان يحلو للبعض تسميتها بالعلاقات الاستراتيجية مع منظمة التحرير الفلسطينية، ولدى سقوطه تضعضعت هذه العلاقات، على المستوى السياسي وان استمرت ثقافيا ودينيا، وتمثل ضعفه في الدور الباهت الذي اسند إليه في مؤتمر مدريد لسلام الشرق الأوسط، ولكن الصورة أخذت بالتغير خلال السنوات التالية، مع وزراء خارجية مثل بريماكوف، كان يدركون أهمية منطقة الشرق الأوسط بالنسبة لروسيا، وتعززت في عهد الرئيس بوتين.

وفي مثل هذه الظروف، لم يكن الموقف الروسي مستغربا تجاه نتائج الانتخابات التشريعية الفلسطينية، التي فازت فيها حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، التي وصل وفد منها فجر اليوم إلى العاصمة الروسية موسكو برئاسة رئيس مكتبها السياسي خالد مشعل لإجراء محادثات مع المسؤولين الروس أهمهم وزير الخارجية سيرغي لافروف. أما الراهب اسكندر في مسكوبية الخليل، الذي يقول انه لا يحب الحديث في السياسة، فانه يستغرب الضجة المثارة حول الأمر، قائلا ان ما يحدث طبيعيا ففلسطين وروسيا كما يقول كانتا دائما quot;حبايبquot;.