أعرب دينيس ياروسلافسكي، القائد لوحدة استطلاع أوكرانية خاصة، عن حالة غضب شديدة إزاء ما يحدث في مدينة خاركيف.
كان القائد الأوكراني قد شارك في هجوم روسي مفاجئ استهدف مدينة خاركيف الأوكرانية في خريف عام 2022، والذي انتهى بنجاح القوات الأوكرانية في صد الغزو الروسي الأول على طول الطريق الحدودي.
بيد أنه يواجه حاليا مع جنوده احتمال تنفيذ نفس المهمة مرة أخرى، بعد أن حققت القوات الروسية، في الأيام الماضية، مكاسب محدودة لكنها مهمة على طول الحدود في منطقة خاركيف.
لم يكن تقدم القوات الروسية سوى بضعة أميال فقط، لكنها استطاعت السيطرة على نحو 100 كيلومتر من الأراضي الأوكرانية، مقارنة بما شهدته منطقة شرقي أوكرانيا الأكثر دفاعا، والذي استغرق من روسيا شهورا لتحقيق نفس النتائج.
وتقول روسيا إن قواتها دخلت الآن بلدة فوفشانسك الحدودية، التي تتنازع عليها أوكرانيا.

كانت المدينة قد تعرضت خلال الأيام الماضية لقصف عنيف، فضلا عن إجلاء الآلاف من سكانها.
ويريد القائد دينيس أن يعرف ماذا حدث لدفاعات أوكرانيا.
ويقول: "لم يكن هناك خط دفاع أول، رأينا ذلك، لقد دخل الروس مباشرة، دخلوا مباشرة دون مرورهم على حقول ألغام".

أراني دينيس مقطع فيديو صورته طائرة مسيرّة قبل بضعة أيام يظهر صفوفا صغيرة من القوات الروسية وهي تعبر بسهولة الحدود دون أن يعترضها أحد.
ويقول إن المسؤولين الأوكرانيين كانوا قد زعموا أن الدفاعات بُنيت بتكلفة باهظة، لكن من وجهة نظره، لم تكن تلك الدفاعات موجودة، ويرى أن سبب ذلك "إما إهمال أو فساد، لم يكن الأمر بمثابة إخفاق، بل خيانة".

آثار المعارك في فوفشانسك
BBC
استهدفت روسيا فوفشانسك بالمدفعية والقنابل الانزلاقية.

كان يعلم الجميع أن هذا التوغل الروسي من المحتمل أن يحدث، وكانت المخابرات الأوكرانية والغربية على حد سواء على علم بأن روسيا كانت تحشد قوات عبر الحدود، مع تقديرات بأن قوام تلك القوات يصل إلى نحو 30 ألف جندي.
كما أعلن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في وقت سابق هدفه المتمثل في إنشاء منطقة عازلة داخل منطقة خاركيف لحماية الأراضي الروسية من ضربات المدفعية الأوكرانية.
بيد أن أوكرانيا لم تكن مستعدة بشكل جيد على ما يبدو، على الرغم من النفي الرسمي من جهتها.
ويقول دينيس، الذي كان يتحدث من حديقة في خاركيف، إنه سيعود في غضون ساعة إلى جبهة المعركة مع جنوده بالقرب من بلدة فوفشانسك، التي تبعد 5 كيلومترات فقط عن الحدود الروسية.

وأشارت أنباء إلى أن القوات الروسية دخلت بالفعل أطراف البلدة، وأخبرني دينيس أنه يخشى من سيطرة الروس قريبا على الوضع.
كنا قد زرنا البلدة من قبل، والتقينا شرطي محلي يدعى، أوليكسي، كان يساعد السكان الذين يريدون الفرار بحثا عن أمان، كان يقود سيارته بسرعة تفاديا لتحليق الطائرات المسيّرة الروسية في سماء المنطقة فضلا عن القصف المستمر للمدفعية.
كان عدد سكان البلدة قبل الحرب نحو 20 ألف نسمة، معظمهم غادروا في بداية الحرب، وتراجع العدد إلى ثلاثة آلاف ساكن، بيد أن مئات آخرين غادروا خلال الأيام الماضية، ويقول أوليكسي: "المغادرة الآن أسهل، قبل أن يسقطوا قتلى أو جرحى".

سكان يفرون من فوفشانسك
BBC
إجلاء سكان فوفشانسك والقرى المجاورة بالحافلات إلى مناطق آمنة.

وتلجأ روسيا في خاركيف إلى اتباع أساليب قتالية مألوفة للغاية من أجل تقدم قواتها، ألا وهي تحويل القرى والبلدات الأوكرانية إلى أنقاض، ويقدر أوليكسي أن روسيا تطلق ما بين 50 إلى 60 قذيفة كل ساعة على المدينة، فضلا عن القنابل الانزلاقية، التي تطلقها الطائرات الروسية على بعد عشرات الكيلومترات من الخطوط الأمامية، بعيدا عن نطاق الدفاعات الجوية المحدودة في أوكرانيا.
وتطلق روسيا نحو 100 قنبلة انزلاقية يوميا على جبهة يبلغ طولها ألف كيلومتر، وسمعنا ستة أصوات تشبه أصوات الطائرات النفاثة على مدار ساعة، أعقب ذلك حدوث انفجارات هزت الأرض.
التقيت سيرهي، الذي دُمر منزله بإحدى هذه القنابل الانزلاقية، وأخبرني وهو يقف بين الأنقاض التي يتصاعد منها الدخان أن زوجته سفيتلانا أصيبت بجروح خطيرة، كما أنه يعالج جروحه الناجمة عن حروق أصابت يديه جراء الانفجار.

قال لي إنه يرغب في الرحيل، لكنه أضاف: "ماذا أفعل؟"، وأشار إلى عنزاته الثلاثة التي لا يريد مقتلها في المعارك، بعد أن نجت بأعجوبة مع قطته، كما أن سيرهي لا يزال متمسكا بممتلكاته.
معظم الذين بقوا في فوفشانسك هم من كبار السن والفقراء.
بيد أن أولكسندر، البالغ من العمر 65 عاما، ضاق به الحال، شاهدناه يرشم علامة الصليب، ويغادر منزله الذي تربى فيه، يلامس الأرض بحنان، ملتقطا حقيبتين، ويصعد بهما إلى سيارة الشرطة.
قال لي إنه يريد الذهاب إلى ألمانيا لكنه لا يعلم كيف يصل إلى هناك.

أولكسندر
BBC
أولكسندر أحد الذين جرى إجلاؤهم من منطقة قريبة من جبهة المعارك.

ويؤدي فتح جبهة معارك جديدة هنا في الشمال إلى استنزاف موارد أوكرانيا المحدودة، في وقت أدى فيه تأخر موافقة الولايات المتحدة على إرسال مزيد من الدعم العسكري إلى حرمان القوات الأوكرانية من الذخيرة.
كانت أوكرانيا قادرة، في المتوسط، على إطلاق قذيفة مدفعية واحدة فقط مقابل عشر قذائف مدفعية روسية، بيد أن الوضع يختلف الآن ببطء، مع وصول الدعم الأميركي.
ويسلط هجوم خاركيف ضوءا أيضا على مشاكل كانت أوكرانيا نفسها بطيئة للغاية في معالجته، من بينها حشد العدد الكافي من القوات وبناء خطوط دفاع كافية، فضلا عن إرسال تعزيزات إلى خاركيف بعد سحبها من مناطق أخرى من الجبهة واحتياطياتها المحدودة.
ولا يزال المسؤولون الأوكرانيون يصرون على أن مدينة خاركيف ليست تحت تهديد غزو بري، لكن كلما زاد التقدم الروسي، زاد احتمال دخولها في نطاق مدى المدفعية الروسية.
وبالعودة إلى الحديقة في خاركيف، يقول القائد الأوكراني دينيس إنه يعتقد أن القوات الروسية ستحاول التركيز على الشرق والاستيلاء على منطقة دونباس بأكملها، بيد أنه يرى أن روسيا تسعى أيضا إلى استغلال نقاط الضعف الأوكرانية على جبهة الألف كيلومتر، من بينها خاركيف.
ويقول دينيس: "أنا غاضب بالطبع، عندما كنا نقاتل من أجل هذه الأرض في عام 2022، فقدنا آلاف الأشخاص، وخاطرنا بحياتنا".
ويضيف: "والآن وبسبب عدم وجود تحصينات، فإننا نفقد الناس مرة أخرى".