الآتي من المستقبل
شبلي الملاط مرشحاًلرئاسةلبنان

بلال خبيز: يجهد المحامي شبلي الملاط في محاولة تقديم نفسه مرشحاً جدياً لرئاسة الجمهورية اللبنانية. هو المحامي الآتي من بيت القانون ورأسه. والده وجدي الملاط كان رئيساً للمجلس الدستوري، وكان واحداً من القضاة الذين يُشهد لهم وترفع القبعات احتراماً لحضورهم. والابن محام لامع، وفي الوقت نفسه قادر، في مجال القانون على الأقل على معرفة من أين تؤكل الكتف. هو بطل الدعوى المقامة على ارييل شارون رئيس الوزراء الإسرائيلي الواقع في غيبوبة اليوم، امام القضاء البلجيكي. وهذه الدعوى التي لم تجد طريقها إلى أروقة المحاكم بسبب تعقيدات قانونية وسياسية جمة، كانت في حد ذاتها بالغة الأهمية الرمزية في محاولة اجبار العالم برمته على التفكر قليلاً في أحوال هذه المنطقة من مناطق العالم، ولبنان وفلسطين خصوصاً. ينتسب شبلي الملاط إلى تيار 14 آذار، ويزعم انه لعب دوراً وازناً وحاسماً بعيداً عن الاضواء في ما سمي ثورة الأرز وقائع وتحشيداً وترتيباً وتفكيراً.

رئاسيات

الحلقة الأولى:
الانتخابات الرئاسية االلبنانية
تحت مطارق الداخل المتعددة وسندان الخارج الصلب

الحلقة الثانية
لا يخلط بين ميزاني القوة والضجيج
بطرس حرب مرشح اللبنانيين

الحلقةالثالثة
جنرال الحروب ومرشح الرئاسة
ميشال عون فارض اسمه على الجميع

الحلقة الرابعة
نسيب لحود رئيساً

الحلقة الخامسة
رياض سلامة: الرئيس التكنوقراطي
تطييف المال والأعمال

الحلقة السادسة:
رئيس في زمن اللاسلم واللاحرب
ميشال اده المثقف الذي اراد ان يصبح زعيماً

الحلقة السابعة
فصلوا قانون الانتخابات اللبنانية ليناسبه
الجمهورية على قياس جان عبيد ليكون رئيساً

قدم ترشيحه على صفحات النهار اللبنانية، وباللغة العربية، مثلما يريد ان يذكّر ويصر على ان نتذكر. ذلك انه يصر على اعلان بيان ترشيحه باللغة العربية اولاً، بوصفها اللغة التي تعبر عن معنى من معاني الانتماء الحاسم. والحق ان في مثل هذه اللفتة ثمة الكثير ليقال. ففي وقت يشهد العالم الثالث هجرات مفكريه من لغاته وقضاياه، يبدو شبلي ملاط عائداً إلى المكان اللبناني بوصفه المكان الذي يجب ان تنشأ فيه سياسته وأفكاره وهويته. ان يصر الملاط على ترشيحه بالعربية وعلى صفحة صحيفة لبنانية جامعة، فذلك يعني ان الرجل يشير إلى انتماء حاسم، لكنه يوضح من جهة ثانية كم ان سياقات الهويات اللبنانية بالغة التعقيد ولم تستقر حتى اليوم على سمت واضح وحاسم. كان من المفترض ان يكون هذا الأمر بديهياً في لبنان، لكن لجوء الملاط إلى مثل هذا الإجراء الرمزي يعني ان الاتفاق على الهوية اللبنانية ما زال في حدوده الدنيا.

فضلاً عن تعقيدات مسارب وسبل الهوية اللبنانية، ثمة في الترشيح الذي يعلنه ملاط ما يفيد قناعته بتعقيدات احوال الديمقراطية اللبنانية فضلاً عن دور لبنان في المنطقة واحتمالات مستقبله الاقتصادي والسياسي والثقافي. يبدو شبلي الملاط معنياً، في محاضراته ومقابلاته التي يجريها، بتجديد معنى الديمقراطية اللبنانية، وهو الذي يقول بانتخاب الرئيس من الشعب مباشرة، وحملها على محمل المعاصرة في محاولة لجعلها قابلة للتطور والحياة. والحق ان الرأي في حد ذاته ليس مهماً بمقدار ما يكون فتح باب البحث على هذه المعضلات الكبرى والمتصلة اتصالاً وثيقاً بالمعاصرة والحداثة بالغ الأهمية في مستقبل اي بلد شرقاً وغرباً.

لكن المحامي اللامع يعرف من دون شك ان الخلافات اللبنانية - اللبنانية تقع في ما هو ادنى بدرجات من الحديث عن معنى الديمقراطية اللبنانية وسياقات الهوية وسبل رميها في حضن المعاصرة، لتصل، من دون مبالغة، إلى حدود بقاء البلد او عدمه. فليس ثمة في لبنان ما انجز الاتفاق عليه اكثر من كون المتحاروين يسلمون بمشترك وحيد هو الوجود الشكلي للمؤسسات الدستورية والدولتية العاجزة والمعطلة، وان مؤتمر الحوار الذي يجري اليوم في لبنان، هو في نهاية المطاف ملزم في قراراته، على المستوى التاريخي لكل المؤسسات الدستورية، ليس لأنه دستوري وشرعي ومنبثق عن مباني الدولة وحسن تمثيل مسؤوليها، بل لأن اقطاب الحوار اقوى من الدولة نفسها، واوسع تمثيلاً من نواب الأمة ورؤساء الرئاسات.

هكذا يبدو بيان ترشيح شبلي الملاط مفارقاً على نحو لافت. فليس ثمة من يبحث في هذه القضايا التي يبحث فيها الرجل ما دام مصير البلد واقعاً اليوم على كف الوقائع المترنحة.

لا يخفي الملاط اهتمامه بهذه القضايا، ويبدي الرأي فيها بانتظام العمال المداومين، فضلاً عن نشاطه السياسي وصداقاته المتشعبة سواء في دوائر القرار اللبنانية او دوائر القرار العالمية. فالرجل يقيم علاقات صداقة سياسية متشعبة من الولايات المتحدة إلى فرنسا مروراً بالعراق ومصر وفلسطين, وصولاً إلى صداقاته اللبنانية البالغة التشعب. لكن الملاط ليس مقرراً في هذه الشؤون، وإذا تسنى له ان يصبح رئيساً في هذه الدورة الرئاسية فلن يكون ترئيسه نتيجة للوزن السياسي الذي يمثله في البلد والموقع الذي يشغله ويحرص العالم على بقائه فاعلاً وقيد التأثير.

فترئيس رجل مثل الملاط يعني ان اللاعبين الدوليين واللبنانيين استقروا في آرائهم على محاولة دفع البلد نحو مغامرة السلم والديمقراطية من دون ان يعوقوا مثل هذا الدفع. لأن وصول الرجل إلى سدة الرئاسة رئيساً فاعلاً ومقرراً يحتاج إلى دعم غير محدود من معظم القوى الوازنة في المعادلة اللبنانية. وهو دعم يفترض ان هذه القوى تخلت عن مصالحها الخاصة مغلّبةً مصلحة البلد على كل مصلحة أخرى. والأرجح ان مثل هذا الأمر بعيد التناول وعصي على التحقق في اللحظة اللبنانية الراهنة.

لهذه الأسباب كلها يبدو ترشيح الملاط نفسه ترشيحاً من المستقبل، وهو يعكس في ثناياه ايماناً عميقاً بقدرة البلد على تجاوز ازماته، وحتمية خروجه من نفق الحروب القروسطية إلى الزمن العالمي الأعم. أن يصل رئيس إلى سدة الرئاسة اللبنانية يحوز هذه الصفات لهو من الأحداث التي تثلج الصدر. لكن السياسة لا تقاس وقائعها واحداثها على مثل هذا التمني. فالوصول إلى سدة الرئاسة يكون محمولاً على روافع قوى وازنة محلياً وعالمياً، ولا يحسن الرئيس العتيد، مهما بلغ شأنه وتعددت صداقاته، ان يغير في المعادلات القائمة الشيء الكثير. وهذا ما يدركه الرجل بطبيعة الحال، لكنه يستمر في ترشيحه ويعمل جاهداً لتحقيق اختلال ما في موازين القوى لمصلحته، بحيث يصبح مرشحاً مقبولاً من دوائر القرار والقوى السياسية المحلية في وقت واحد. محاولة حظوظه من النجاح اقل من حظوظ محاولات منافسيه.

انما، والحق يقال، يجب ان يُحفظ للرجل انه يخوض معركته علناً ومن دون مواربة، متجنباً ما امكنه ذلك الصدور في ترشيحه عن كواليس السياسة وحدها دون غيرها. يشق الملاط طريقه مرشحاً رئاسياً، ذلك انه من دون هذا الجهد العلني الذي يبذله والذي يلزمه ايضاً بتبعاته لا يستطيع ان يكون رئيساً قادراً على العمل على تنفيذ قناعاته واعطاء ارائه الثقل الذي يلزمها لتكون فاعلة ومؤثرة.

الارجح ان حظ امثال املاط في الوصول إلى مبتغاهم قليلة. ذلك انه رئيس الزمن اللبناني المأمول وليس رئيساً للزمن اللبناني الراهن البالغ التأزم والذي يعود بالبلد إلى ما قبل استواء الدول دولاً وقبل تشكل الأمم امماً.